الديمقراطية واليونسكو

2012/07/14

لعبت اليونسكو منذ تأسيسها دوراً ريادياً في تعزيز القيم والمبادئ الديمقراطية إذ إن ميثاقها التأسيسي يؤيد المثل الديمقراطية التي تشكلها العدالة، والحرية، والمساواة، والتضامن، معتبراً إياها عوامل أساسية لبناء السلام. ففي الواقع، تربط مقدمة الميثاق التأسيسي لليونسكو ربطاً مباشراً ما بين « التنكر للمثل العليا التي تنادي بالكرامة والمساواة والاحترام للذات الإنسانية » وبين « الحرب العظمى المروعة ». لذلك، إن تحقيق هذه المثُل الديمقراطية يشكل صلب اهتمام نشاطات اليونسكو.

بعد التركيز في عملها على التحاليل النظرية لمبادئ الديمقراطية، رسمت اليونسكو استراتيجيةً في الأعوام الممتدة من 2000 إلى 2003 لوضع برنامج دولي حول الديمقراطية. ويعمل مركز جبيل الدولي لعلوم الإنسان على تنسيق هذه الاستراتيجية بالتعاون الوثيق مع الفريق الدولي المعني بالديمقراطية والتنمية (IPDD).

مركز جبيل الدولي لعلوم الإنسان (ICHS)

إن مركز جبيل الدولي لعلوم الإنسان الذي تأسس عام 1999 بموجب اتفاقية وقعتها اليونسكو مع الحكومة اللبنانية هو مؤسسة عالمية لإجراء الأبحاث حول العلوم الاجتماعية. ويتخذ المركز منطقة جبيل في لبنان مقراً له، وهو يتمتع بموجب نظامه الأساسي بحرية أكاديمية مطلقة وبحصانة دبلوماسية.

إن الهدف من تأسيس هذا المركز مزدوج: المساهمة في تطوير العلوم الاجتماعية-الإنسانية وتعزيز الثقافة من أجل السلام. وبالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي وبناء القدرات على إجراء الأبحاث في مختلف المناطق، يعكف مركز جبيل على تطوير الأبحاث المقارنة التحليلية، ونشر نتائجها، والتشجيع على إقامة وتطوير شبكات معاهد للعلوم الاجتماعية.

الفريق الدولي المعني بالديمقراطية والتنمية

أسست اليونسكو الفريق الدولي المعني بالديمقراطية والتنمية عام 1998 بهدف تحليل العلاقة القائمة بين الديمقراطية والتنمية، ورفع التوصيات التي من شأنها أن ترشد اليونسكو في برامجها المستقبلية حول الديمقراطية.

نشرت اللجنة المذكورة عام 2002 تقريراً حمل عنوان « التفاعل بين الديمقراطية والتنمية« . وشكلت التوصيات الصادرة عن هذه اللجنة في ذلك التقرير، المنطلقات لتنفيذ البرنامج الدولي العائد لليونسكو حول الديمقراطية.

الديمقراطية ونطاق عملها

إن العنوان العام لبرنامج الديمقراطية الجديدة في اليونسكو هو « الديمقراطية، ثقافة وسلام »، ويشمل ثلاثة مجالات عمل: تشجيع الأبحاث المقارنة التحليلية حول الديمقراطية وعلاقتها بالثقافة، وتنظيم الحوارات الدولية والتحاليل المستقبلية الخاصة بمستقبل الديمقراطية، بالإضافة إلى دعم الديمقراطية في المجتمعات خلال فترة ما بعد الصراع.

تشجيع الأبحاث المقارنة التحليلية

إن توليد المعرفة الجديدة عبر إجراء الأبحاث التحليلية التجريبية وبناء القدرات يتم بالتنسيق مع مركز جبيل. ويتمحور برنامج العمل الأساسي حول الديمقراطية وعلاقتها بالثقافة. ويرمي ذلك إلى إجراء بحث مقارن تجريبي قائم على فرضيات (دراسات أوضاع) حول العوامل التي تحدد الديمقراطية، وذلك بهدف تحليل مدى مطابقة الديمقراطية مع رغبة الشعوب التي تعيش تقاليد ثقافية مختلفة. وتجرى هذه الدراسات عبر إحصاءات واستقصاءات رأي، وتحاليل وسائل الإعلام، وذلك بالتركيز على تصرّفات المواطنين حيال الديمقراطية.

ويتوسع نطاق هذا البحث ليشمل الديمقراطية وعلاقتها بالعديد من المواضيع كالنشاط العرقي،  والسلام، والتنمية، وذلك بهدف تحقيق تفهم أفضل لحقيقة الديمقراطية في العالم، لاسيما الطريقة التي تتفهم وتمارس فيها المبادئَ الديمقراطية شعوب من مختلف المناطق.

يساعد مركز جبيل البلدان الأعضاء في اليونسكو على تطوير قدرات الباحثين، لاسيما صغار السن منهم،  لإجراء الأبحاث التجريبية حول الديمقراطية.

وتتضمن الأنشطة ما يلي:

  • المنهجية التي يتبعها برنامج جبيل للتدريب على الأبحاث في إجراء الأبحاث التجريبية والتخطيط وإجراء دراسات أوضاع
  • برنامج جبيل لإرشاد المتخرجين وطلاب دراسات الدكتوراه
  • تنظيم حوارات حول مستقبل الديمقراطية

اجرى مركز جبيل تحاليل مستقبلية وشجع على إجراء حوارات دولية بالتعاون مع أعضاء في الفريق الدولي المعني بالديمقراطية والتنمية. وقاومت هذه الحوارات على أساس التفكير بالمعايير والقيم والمبادئ الديمقراطية وإجراء الأبحاث عليها، وبعلاقتها بمسألتين رئيسيتين هما العولمة والتنمية.

نظم مركز جبيل ومنظمة اليونسكو سلسلة مؤتمرات عامة ترمي إلى تعزيز الحوار الدولي حول الديمقراطية. انعقد المؤتمر الأول في بيروت، لبنان، عام 2003 بعنوان « الديمقراطية والسلام ». واستمرت حلقة المؤتمرات التي تحمل العناوين التالية: « الديمقراطية والعدالة الاجتماعية » (عام 2005)، « تأثير العولمة على التنمية الديمقراطية » (عام 2006)، « الظروف القانونية للتنمية الديمقراطية » (عام 2007)، و »الديمقراطية والثقافة » (عام 2008).

ونظمت حلقات دراسية على هامش المؤتمرات بهدف بناء القدرات في مختلف البلدان: مع الأكاديميين حول تعميم المبادئ الديمقراطية على سبيل المثال، ومع صانعي القرارات لتعزيز أخلاقيات القيادة في سبيل توفير حكم ديمقراطي، ومع قادة من رجال الأعمال بشأن العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية، ومع صحافيين حول دور الاتصال في التنمية الديمقراطية.

دعم الديمقراطية في المجتمعات خلال أوضاع ما بعد النزاع

إن النتيجة المباشرة للصراعات بين الأعراق والأجناس قد تشكل أكبر تحد أمام تحقيق الديمقراطية. لذلك، تساهم اليونسكو عبر رسم إستراتيجية متكاملة عن الديمقراطية في إعادة استتباب و/أو تحقيق الديمقراطية عبر برنامج للأبحاث وبناء القدرات. وترمي هذه المبادرة إلى التشجيع على تعزيز الديمقراطية بواسطة الأطراف المحلية في الوسط الأكاديمي الذي يستفيد من نتائج الأبحاث التحليلية التي يجريها مركز جبيل والنقاش الذي يثيره الفريق الدولي المعني بالديمقراطية والتنمية.

في شهر مارس عام 2004، وخلال اجتماع مشترك بين اللجنة العلمية لمركز جبيل والفريق الدولي المعني بالديمقراطية والتنمية، رفع عدد من التوصيات العامة حول العمل الذي تؤديه اليونسكو في ثلاثة بلدان خلال فترة ما بعد النزاع: أفغانستان، والعراق، وجمهورية كونغو الديمقراطية. وتضمّنت هذه التوصيات رسم خرائط الدراسات الجارية وإجراء الأبحاث حول تعزيز الديمقراطية في مجتمعات خلال فترة ما بعد الصراع، والأبحاث حول الديمقراطية والثقافة مع التركيز بصورة خاصة على التحديات التي تسببها التقاليد الثقافية.

خارطة طريق للديمقراطية والتجديد في العالم العربي

يمثل التعليم واحترام حقوق الإنسان محور « خارطة طريق » ترمي إلى دعم عمليات التحوّل الديمقراطي في العالم العربي. وجرى إعداد هذه الوثيقة خلال اجتماع مائدة مستديرة دولي نظمته اليونسكو في مقرها بباريس في 21 يونيو 2011.

وتحدد « خارطة الطريق » المذكورة الشروط الأساسية للنجاح في بناء دول ديمقراطية. وإلى جانب التعليم وحقوق الإنسان، تركز هذه الوثيقة على قضايا الحوكمة، والمؤسسات الديمقراطية، والمواطنة، والمشاركة الفعالة للنساء والشباب، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وحرية التعبير.

وتولت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، افتتاح اجتماع المائدة المستديرة بحضور الأمين العام للمنظمة الدولية للفرنكوفونية، عبده ضيوف، ووزير الخارجية البلغاري، نيكولاي ملادينوف، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بطرس بطرس-غالي، ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية، ناصيف حتي، وحوالى 250 مشاركاً، بمن فيهم عدد من الخبراء والأكاديميين وكبار المسؤولين في المجتمع المدني المختصين في شؤون المنطقة العربية أو من أبناء المنطقة عربية.

وألقت المديرة العامة كلمة افتتاحية وصفت فيها الأحداث الأخيرة في الدول العربية بأنها ثورة ديمقراطية واجتماعية كبرى، مشددةً على الدور المهم لليونسكو في هذه المرحلة الانتقالية.

وقالت المديرة العامة في هذا الصدد: « إن الديمقراطية وحرية التعبير بحاجة إلى التعليم ومحو الأمية، مما يتيح لكل شخص الاطلاع على المعلومات والتعبير عن أفكاره والحصول على فرصة عمل ». وأضافت: « يُفترض في الديمقراطية أن تتمتع الشعوب بالوسائل اللازمة لحماية تراثها وثقافتها من اللصوص الذين يستغلون البؤس ويطمسون الهويات. ولكي تتطور الديمقراطية، فإنها بحاجة إلى العدالة والمساواة بين المواطنين والحد من وطأة الفقر ».

وتابعت المديرة العامة بالقول: « في هذا السياق الصعب، من الضروري أن يقدّم المجتمع الدولي كل دعم ممكن إلى المجتمعات التي تمر بعمليات التحوّل ».

وشمل المشاركون في هذا الحدث رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، عبد الباسط بن حسن، والمحامية علياء الشريف الشماري من المحكمة العليا التونسية والمحكمة الجنائية الدولية، وعضو مجلس الشيوخ الفرنسي، روبير بادينتير. وشدد جميع المشاركين على ضرورة بذل كل الجهود اللازمة لتفادي تبسيط القضايا المعقدة خلال عملية التحوّل الديمقراطي، مضيفين أن التدابير المتخذة يجب أن تكون مستدامة من أجل التصدي للتحديات المتمثلة في إرساء الديمقراطية أو إحيائها أو حمايتها. وجرى كذلك التشديد على ضرورة إعطاء الأولوية لدور النساء والشباب بوصفهم جهات فاعلة رئيسية في الحياة السياسية.

وشكلت المناقشات التي طبعت هذا الحدث ليوم واحد نقطة انطلاق حوار متواصل مع مجموعة من الجهات الفاعلة لدعم العملية الانتقالية واستكمال الأنشطة التي شرعت فيها اليونسكو في المنطقة العربية.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن اليونسكو بدأت بمجموعة من الأنشطة في تونس ومصر لتعزيز حريات وسائل الإعلام، وتزويد المهنيين العاملين في وسائل الإعلام بالمساعدة اللازمة للمرحلة التي تسبق الانتخابات. وفي مصر، تعمل المنظمة أيضاً لمساعدة الشباب على المشاركة في عملية اتخاذ القرارات السياسية، وحماية التراث الثقافي، ومساعدة الحكومة في جهودها الرامية إلى تعزيز محو الأمية والاندماج في هذا العالم المترابط.

ويجري إعداد الأنشطة المضطلع بها في الكثير من البلدان العربية في إطار برنامج اليونسكو لإدارة التحولات الاجتماعية (موست) بغية تقليص الفجوة بين الواقع الاجتماعي والسياسات الحكومية عن طريق تعزيز بحوث التحولات الاجتماعية الإجرائية المنحى. ومن الأمثلة على هذا النوع من الأنشطة، حلقة عمل إقليمية لثلاثة أيام عنوانها « بحوث بشأن السياسات في مجال إعداد ورصد وتقييم سياسات وآليات الحماية الاجتماعية وتحويل الأرصدة النقدية في المنطقة العربية ». ونظمت حلقة العمل هذه في بيروت في الفترة من 27 إلى 29 يونيو. 2011

وكانت حلقة العمل الإقليمية بمثابة منتدى لتبادل المعارف بين باحثين وراسمي سياسات إقليميين ودوليين وخبراء من وكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني.

المصدر: اليونسكو (بتصرف من مندوبية ليبيا لدى اليونسكو)

Print This Post