الآثار الأخلاقية والاجتماعية للتكنولوجيات البيولوجية على الجياة اليومية

2012/12/4

ُنظَّم في يوم الجمعة الماضي الموافق 30 نوفمبر 2012، في مقر اليونسكو بباريس، مؤتمر عنوانه « ما قيمة الحياة 2,0؟ » ويرمي هذا المؤتمر الذي تشارك في تنظيمه الرابطة الفرنسية « فيفاغورا » واليونسكو وحوالى 20 شريكاً، بما في ذلك عدد من وسائل الإعلام، إلى استكشاف الآثار الأخلاقية والاجتماعية للتكنولوجيات البيولوجية على الحياة اليومية.

وفي حين أن قضايا أخلاقيات البيولوجيا المتعلقة بالإنسان باتت تحظى بالاعتراف وأن الهندسة الوراثية والتكنولوجيات النانومترية تثير نقاشات واسعة، فإن التكنولوجيات الجديدة المرتبطة بالكائنات الحية – والتي تجمع على نحو مبتكر بين التكنولوجيات البيولوجية والتكنولوجيات النانومترية والمعلوماتية – لا يُنظر إليها على أنها كلٌّ متكامل إلا في حالات نادرة.

وسعياً إلى معالجة هذه التكنولوجيات في إطار موحد، تنظم الرابطة الفرنسية « فيفاغورا »، في 30 نوفمبر 2012، مؤتمراً بشأن الكائنات الحية في مقر اليونسكو بباريس، وذلك بدعم من قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية في المنظمة.

وتماشياً مع أعمال اللجنة العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجية، ومع مشروعي التقريرين اللذين أعدتهما مؤخراً اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا بشأن الطب التقليدي ومخاطر التمييز الجديدة الناجمة عن التطورات العلمية الحديثة[1]، سيجمع « مؤتمر الكائنات الحية » بين الاستشراف والأخلاقيات في مجال التكنولوجيا والآثار الاجتماعية المرتبطة بالبيولوجيا الصناعية ومحاكاة العمليات البيولوجية والاقتصاد البيولوجي في مرحلة ما بعد النفط.

وسيركز المؤتمر بوجه خاص على أهمية التعايش والتضامن بين جميع الكائنات الحية وستُنظَّم في هذا الإطار حلقة عمل خاصة لمعالجة آثار إتقان العمليات البيولوجية وامتلاك الكائنات الحية. وتتمثل أهم المسائل التي سيتم التطرق إليها في رهانات السلطة، والتحديات التي يواجهها المجتمع الدولي بسبب التطور السريع جداً للتكنولوجيات البيولوجية، والإمكانات التي توفرها هذه التكنولوجيات.

وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج الكائنات الحية بوسائل تكنولوجية ليس مفهوماً جديداً بالمعنى الدقيق للكلمة. فمنذ الثورة الزراعية التي شهدها العصر الحجري الحديث، كان لاختيار أصناف الحيوانات والنباتات تأثير كبير على البيئة وعلى حياة الإنسان. ومن دون تكنولوجيات الكائنات الحية، لما كان يوجد في العالم اليوم لا قمح ولا كلاب ولا أبقار لإنتاج الحليب ولا ورود.

ومع ذلك، فإن الوتيرة المتزايدة للاكتشافات والديناميات العلمية والتكنولوجية الجديدة تشير إلى أن العالم قد يشهد تغييراً في المعايير وعمليات لم يسبق لها مثيل، وأن أوجه التفاوت في توزيع القوى بين الأغنياء والفقراء قد تتفاقم.

وسيُفتتح « مؤتمر الكائنات الحية » بجلسة عامة عن المستقبل المشترك للنظم الإيكولوجية والتكنولوجيات البيولوجية وسيُختتم بعملية تأمل سياسية في الجوهر ستتمحور حول النظم الديمقراطية التي يمكن بناؤها بشأن استخدامات الكائنات الحية.

والسبب الذي يجعل التكنولوجيات الجديدة الخاصة بالكائنات الحية تستقطب قدراً كبيراً من الاستثمارات هو أنها قد تؤدي إلى تطبيقات ثورية من شأنها أن تفضي حسب أقوال مروجيها إلى حل المشكلات البيئية الخاصة بالقرن الحادي والعشرين. وتُستخدم عبارة « الحياة 2,0″ اليوم للدلالة ليس فقط على تكنولوجيات الكائنات الحية بل أيضاً على الحياة بوصفها مشروعاً تكنولوجياً.

وفي حين أن المواد الأولية غير المتجددة تتقلص وأن درجة حرارة الأرض قد ترتفع بأكثر من درجتين مئويتين في نهاية القرن الحالي، فإن الموارد الطبيعية، أو « الكتلة الحيوية » التي تشمل الغابات والزراعات والبحار وجميع الكائنات الحية بوجه عام، لن تنضب في المبدأ بشرط أن تتم إدارتها بطريقة مستدامة.

وتدل أنواع الوقود الحيوي والبلاستيك الحيوي والمنتجات الكيميائية المستخرجة من الموارد البيولوجية الطبيعية على أن الاقتصاد سيرتكز في المستقبل على الكائنات الحية. وتفيد منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بأن حجم السوق العالمي للتكنولوجيات البيولوجية الصناعية قد يناهز 300 مليار يورو سنوياً بحلول عام 2030، أي أنه سيرتفع بما يتراوح بين خمسة وستة أمثال مقارنةً بما هو عليه اليوم.

وتزداد الضغوط لاستكشاف ثروات التنوع البيولوجي والاستفادة منها، وزيادة معدل إنتاجية النباتات، وإنتاج مواد متنوعة باستخدام الأصناف النباتية والحيوانات والكائنات المجهرية، واستحداث كائنات صناعية يمكن أن تؤدي وظائف جديدة، وإنتاج لحوم اصطناعية، وما إلى ذلك. فالهدف هو تأمين الغذاء لتسعة مليارات شخص بحلول عام 2050 وتلبية احتياجاتهم من حيث الطاقة والمواد.

ولكن من سيشرف على هذه العمليات؟ ومن سيستفيد منها؟ وما هي الآثار التي ستترتب عليها؟ وهل سيكون لها انعكاسات يتعذر التنبؤ بها اليوم؟ إنها أسئلة لا بد من الإجابة عليها لتحقيق الأهداف المرجوة.

وتتصدر السباق على الكتلة الحيوية اليوم شركات كبيرة متعددة الجنسيات هدفها الارتقاء إلى أقصى حد بأداء الكائنات الحية باستخدام الهندسة الوراثية وهندسة الأيض والبيولوجيا الصناعية والكيمياء الخضراء… ولكن كيف يمكن التوفيق بين هذه الدينامية والاستخدام المسؤول والمستدام للنظم الإيكولوجية والكائنات الحية البرية والبحرية؟ وما هو السبيل لضمان توزيع منصف للفوائد الناتجة عن هذه التطورات العلمية والتكنولوجية؟ وما هي التدابير التي تكفل توافر آلية عامة وديمقراطية لمراقبة استخدام هذه التطورات؟

وثمة احتمال كبير أن نشهد تركيزاً للسلطة في تجمعات مؤلفة من شركات تُعنى بالزراعة والمعلوماتية والطاقة وأن تعاني شعوب وبلدان كاملة من تدهور الأمن في مجال الغذاء والطاقة نتيجةً لافتقارها إلى إمكانية الانتفاع بالموارد الطبيعية التي طالما اعتُبرت « موارد مشتركة »، وذلك بسبب الهيمنة التي تُمارس من خلال حقوق الملكية وبراءات الاختراع. ولكن النهوج العلمية والتقنية التي تقوم على احترام النظم الإيكولوجية وحقوق الشعوب، ومنها الإيكولوجيا الزراعية والزراعة الحراجية، والمنتجات المستوحاة من الطبيعة، تدل على أن الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية أمر ممكن بل وهو استثمار مربح.

وتسعى رابطة « فيفاغورا » واليونسكو وشركاؤهما من خلال هذا المؤتمر إلى التفكير في استخدامات الكائنات الحية وتقييم جدواها وإمكانية الاستمرار بها وإلى تسليط الضوء على أن التحدي المرتبط « بالحياة 2,0″ يكمن في التوصل إلى اقتصاد بيولوجي مسؤول وإلى إيكولوجيا اجتماعية. فهذا الموضوع يكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى المجتمعات الديمقراطية التي تواجه تحديات إيكولوجية وصحية وأخلاقية كبيرة، ولاسيما في ظل عدم توافر مفهوم متين ومشترك للتنمية المستدامة حتى الآن.

[1] مشروع تقرير اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا بشأن « الطب التقليدي وآثاره الأخلاقية » (بصيغة PDF) ومشروع التقرير بشأن الأفكار الأولية المتعلقة بمبدأ عدم التمييز وعدم الوصم (بصيغة PDF): قُدمت هاتان الوثيقتان خلال الدورة التاسعة عشرة للجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا وخلال الدورة المشتركة بين اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا واللجنة الدولية الحكومية لأخلاقيات البيولوجيا: اليونسكو، باريس (فرنسا)، 11-14 سبتمبر 2012.

المصدر: اليونسكو

Print This Post