اليوم العالمي للمياه

2015/03/22

يصادف اليوم الأحد الموافق 22 مارس، اليوم العالمي للمياه.

وانعقد يوم الجمعة 20 مارس اجتماع رفيع المستوى بمقر اليونسكو بباريس، وفي إطار اليوم العالمي للمياه، تم تقديم نسخة 2015 لتقرير الأمم المتحدة لتنمية المياه في العالم (WWDR) الذي أعده برنامج تقييم المياه العالمي والذي تستضيفه اليونسكو.

تقرير جديد للأمم المتحدة يشدد على الضرورة الملحة لإدارة المياه إدارة أكثر استدامة

إذا بقي الوضع على حاله، سيواجه العالم نقصا في إمدادات المياه بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2030. ولا يوجد أمامنا خيار آخر سوى أن نتعلّم كيفية إدارة هذا المورد إدارة أكثر استدامة. هذا هو الاستنتاج المحتم لتقرير الأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية الذي أعدّه برنامج تقييم الموارد المائية الذي تستضيفه اليونسكو. والتقرير المعنون المياه من أجل عالم مستدام سيُعرَض في 20 مارس في نيودلهي (الهند)، قُبيل الاحتفال باليوم العالمي للمياه (22 مارس).

وتشدّد الوثيقة على الضرورة الملحة لتغيير طرائق استخدامنا وإدارتنا لهذا المورد الحيوي، عشية اعتماد الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة الجديدة.

وأعلنت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا « أنّ الموارد المائية، التي تشكل عنصرا أساسيا من عناصر سياسات مكافحة الفقر، مهددة هي أيضا في بعض الأحيان بفعل التنمية. وفي وجه الزيادة المستمرة في الطلب على المياه والاستغلال المفرط لمستودعات المياه الجوفيّة، يتعيّن علينا تبديل طرائق تقييم وإدارة واستخدام هذا المورد الذي يتحكّم بمستقبلنا. وهذه هي الدعوة التي توجّهها النسخة الجديدة من تقرير الأمم المتّحدة عن تنمية الموارد المائية في العالم. والاستنتاجات التي خلص إليها التقرير مفيدة، ولا سيما أنّه يتعيّن على المجتمع الدولي تحديد برنامج إنمائي جديد من شأنه أن يعقب الأهداف الإنمائية للألفية ».

وأشار ميشال جارو، رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية والأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إلى أنّ « المياه والإصحاح ضروريان لتحقيق عدد كبير من أهداف التنمية المستدامة. وقد جرى التوصل إلى توافق دولي في الآراء بهذا الشأن. وهما مرتبطان ارتباطا وثيقا بالتغيّر المناخي، والزراعة، والأمن الغذائي، والصحة، والطاقة، والمساواة، والنوع الجنساني والتعليم. وعلينا إحراز تقدم على صعيد القياس والمتابعة والتنفيذ ».

طلب متزايد

في عام 2000، كانت الهند تعدّ حوالى 19 مليون بئر آلي أو أنبوبي مقابل مليون بئر في عام 1960. وقد أدّت هذه الثورة التقنية دورا هاما في مكافحة الفقر في هذا البلد، إلاّ أنّ تطوّر الريّ الذي نتج عنها تُرجم أيضا بإجهاد مائي حاد في المناطق الجنوبية والشرقية من البلد، مثل ماهاراسترا أو راجاستان.

ويظهر هذا المثال بحدّ ذاته الروابط المعقّدة بين الانتفاع بالمياه والتنمية: فالمياه الضرورية للنمو الاقتصادي ومكافحة الفقر هي أيضا مورد يتأثر تأثرا مباشرا بالتنمية الاقتصادية. ولحل هذه المعادلة الصعبة، ينبغي إيجاد توازن بين الطلب على المياه والإمداد بها. إلاّ أننا بعيدون كل البعد عن تحقيق ذلك. وعلى الرغم من التطوّرات الهامة التي أُحرِزت خلال السنوات الأخيرة الماضية، لا يزال 748 مليون شخص محرومين من الانتفاع بموارد مائية محسّنة*. والجهات الأساسية المعنية بهذه المسألة هي: الفقراء، والسكان المهمّشين، والنساء.

وفي الوقت عينه، لم يشعر العالم قط بهذا القدر من العطش. ولتلبية احتياجات السكان الذين يزداد عددهم، يتعيّن على قطاعي الزراعة والطاقة زيادة إنتاجهما. فيتعيّن على قطاع الزراعة، وهو القطاع الأكثر استهلاكا للمياه، أن يقوم، بحلول عام 2050، بزيادة إنتاج الأغذية بنحو 60 في المائة على الصعيد العالمي، وبنحو 100 في المائة في البلدان النامية. والطلب على السلع المصنّعة يتّجه هو أيضا نحو الارتفاع، الأمر الذي يزيد الضغط على الموارد المائية. ويُتوقَّع أن يزيد الطلب العالمي على المياه الصناعية، بين عامي 2000 و2050، بنسبة 400 في المائة.

لكن، في حين يرتفع الطلب على المياه – إذ يُتوقّع أن يزداد بنسبة 55 في المائة بحلول عام 2050 – وتتعرّض نسبة 20 في المائة من مستودعات المياه الجوفية في العالم للاستغلال المفرط، لا تزال المياه تدار بطريقة غير مستدامة. والري المكثّف للمحاصيل، أو التفريغ غير المنظّم لمبيدات الحشرات وللمواد الكيميائية في مجاري المياه، أو النقص في معالجة مياه المجاري – الذي يُعاني منه 90 في المائة من مياه المجاري في البلدان النامية-  خير شاهد على ذلك.

المياه في مواجهة التنمية

إنّ التكلفة البيئية لهذه الممارسات باهظة. وهي تُترجم بتلوّث المياه على نطاق واسع وبمعدلات نضوب هائلة. وفي سهل شمال الصين، أفضى الري المكثّف إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية انخفاضا فاق 40 مترا. وتُقاس التكلفة البيئية أيضا بتدهورٍ، قد يكون غير قابل للنقض في بعض الأحيان، لعدد كبير من النظم الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما الأراضي الرطبة أو النظم الإيكولوجية الساحلية. وقد شهدت قدرة هذه النظم على توفير خدمات متصلة بالمياه – مثل تنقية المياه وتخزينها – تدهورا صريحا.

ويُتوقَّع أن يفضي التغيّر المناخي إلى تعزيز هذا الضغط: إذ يُترجم تزايد التقلّبات في نظام تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة بتبخّر أكبر وبنتح أكبر للنباتات. ومن جهة أخرى، قد يكون لارتفاع مستوى سطح البحر تأثير في المياه الجوفية في المناطق الساحلية. وفي بعض المدن الساحلية، مثل كالكوتا (الهند)، أو شانغهاي (الصين) أو داكا (بنغلادش)، تُلوِّث مياه البحر مستودعات المياه الجوفية. وينسحب الأمر نفسه على جزيرتي توفالو وساموا في المحيط الهادي حيث يعتمد السكان أكثر فأكثر على المياه المستوردة لتلبية احتياجاتهم، إذ إنّهم غير قادرين على الاستفادة من مياههم الجوفية التي أصبحت شديدة الملوحة.

وهذا الضغط المتزايد على الموارد المائية من شأنه أن يُترجم، وفق ما يتنبأ به معدّو التقرير، بمنافسة أشد ضراوة بين القطاعات والأقاليم والبلدان على حد سواء.

ويشدّد التقرير، الذي يشير إلى مواطن الخلل في إدارة المياه، على أنّه يتعيّن علينا تغيير النهج الذي نتّبعه لتقييم هذا المورد وإدارته واستخدامه. والمياه، التي غالبا ما يكون ثمن الحصول عليها أدنى من قيمتها الفعلية، نادرا ما تؤخذ في الحسبان في القرارات المتعلقة بالطاقة أو الصناعة. وبشكل عام، فإنّ القرارات التي تحدّد استخدام المياه على نحو أساسي غالبا ما تُتخذ من قبل عدد محدد من الجهات الفاعلة (العامة، وشبه الحكومية، والخاصة)،

وتخضع لمنطق يراعي القدرة على التنفيذ على المدى القريب أكثر منه الاعتبارات البيئية.

الحلقة المثالية للتنمية المستدامة

يشدّد التقرير على الدور الذي تضطلع به السلطات العامة في ما يتصل بالخيارات الاستراتيجية الحاسمة التي من شأنها ضمان بقاء الموارد المائية. ويوصي بشكل خاص بالحد من عملية بناء واستخدام محطات توليد الطاقة الحرارية التي تؤمّن حاليا 80 في المائة من إنتاج الطاقة وتستهلك الكثير من المياه. ويمرّ ذلك، على سبيل المثال، بتخصيص إعانات للطاقات المتجدّدة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي لا تزال باهظة الثمن. ويمكن أن يُترجم ذلك أيضا بمساعدات تُقدَّم للمزارعين الذين يختارون نظم ريّ عالية الأداء. وفي بلد جاف كقبرص على سبيل المثال، سمحت هذه الإعانات بإحداث تغيير جذري في موقف المزارعين تجاه تقنيات الري وبفرض تقنيات أكثر اقتصادية من حيث استخدام المياه.

وتفرض المرحلة الانتقالية نحو اعتماد نماذج إنتاج أكثر استدامة تكلفتها الخاصة، إلاّ أن التقرير يشير إلى الحلقة المثالية لمثل هذه الاستثمارات. وفي الواقع، تظهر بعض الدراسات أنّ كل دولار يُستَثمر لحماية حوض تجميع أمطار قد يسمح بادخار حتى 200 دولار من التكاليف المرتبطة بمعالجة المياه. وبالتالي، إذا كان من الضروري توفير 235000 دولار سنويا لزيادة معالجة النفايات إلى حدّها الأقصى للمحافظة على الأصالة الإيكولوجية لمستنقع ناكيفوبو في أوغندا، فإنّ هذا النظام الإيكولوجي يوفّر خدمة تنقية مياه لكمبالا تُقدَّر بمليوني دولار سنويا. وفي نيويورك، يُقدَّر أن إدارة الأحواض المائية تتيح للمدينة ادّخار 300 مليون دولار سنويا.

والجهود التي يبذلها بعض البلدان تظهر أنّه من الممكن توفير إدارة أفضل للمياه وضمان استخدام أكثر دقة لها، بما في ذلك في البلدان النامية. وهيئة الإمداد بالمياه في بنوم بن (كمبوديا) تشكل مثالا واضحا في هذا المجال. فإنّ هذه الهيئة، التي كانت على وشك الإفلاس والتي كان الفساد يتآكلها، قد أصبحت في غضون قرن واحد من المرافق الأعلى أداء في العالم في مجال الإمداد بالمياه. وقد خفّضت معدّلات نضوب المياه من 60 في المائة في عام 1998 إلى 6 في المائة في عام 2008، أي إلى مستوى مواز لخدمات الإمداد في سنغافورة.

وفي حين تستعد الأمم المتحدة لاعتماد الأهداف المستقبلية للتنمية المستدامة حتّى عام 2030، يشدّد التقرير على ضرورة تخصيص هدف كامل للمياه. كما يشدّد على أن يجري التركيز ليس فقط على الانتفاع بالمياه والإصحاح، كما كانت الحال في الأهداف الإنمائية للألفية، بل على أن تؤخذ أيضا مسائل إدارة المياه ونوعيتها، وإدارة مياه المجاري والحماية من الكوارث الطبيعية في الحسبان. وصاغت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية اقتراحا في هذا الصدد. وسوف تُعتمد أهداف التنمية المستدامة في خريف عام 2015 خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويُشكل تقرير الأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية في العالم ثمرة التعاون القائم بين 31 منظمة من منظمات الأمم المتحدة و37 جهة دولية شريكة مجتمعة في إطار لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية. وقد تولى البرنامج العالمي لتقييم الموارد المائية الذي تستضيفه اليونسكو إعداد هذا التقرير. وحتّى عام 2012، كان التقرير، الذي يوفّر وصفا شاملا لوضع الموارد المائية في العالم، يُقدَّم كل ثلاث سنوات. إلاّ أنّه أصبح ابتداء من عام 2014 يصدر على نحو سنوي ويتحلى بطابع موضوعاتي. وسيتزامن عرضه من الآن فصاعدا مع الاحتفال باليوم العالمي للمياه الذي يتّسق موضوعه مع موضوع التقرير.

* مورد مياه محمي من التلوّث الخارجي

المياه والتنمية المستدامة

ويصادف اليوم الأحد الموافق 22 مارس، اليوم العالمي للمياه، وبهذه المناسبة أصدرت المديرة العامة لليونسكو، السيدة إيرينا بوكوفا البيان التالي:

« يندرج يوم المياه العالمي هذا العام تحت موضوع « المياه والتنمية المستدامة »، وهذا ما يتيح فرصة كبيرة لتسليط الضوء على الدور الذي تضطلع به المياه العذبة في خطة التنمية المستدامة التي تقوم الدول بتهيئتها لما بعد عام 2015.

ويمثل هذا اليوم مناسبة لتخطيط مسلك جديد ولتغيير الممارسات والأنشطة التي تقوم بتيسير عملية التنمية على حساب تكلفة بيئية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك تلوث المياه وإزالة الغابات وتدهور التنوع البيولوجي وتنامي الحرمان الحضري. وتشير الاتجاهات الراهنة فيما يتعلق بعملية الاستهلاك بأن المياه عموماً والمياه الجيدة على وجه الخصوص لن تكفي لتلبية الطلب العالمي الذي هو آخذ في التنامي دون تغيير جذري في الطريقة التي تستعمل فيها هذه الموارد المحدودة وتدار ويجري تقاسمها. وفي ظل أوجه الطلب المتنافسة، قد يؤدي إهمال هذه الحقائق إلى تزايد الصعوبات في اتخاذ القرارات لتوزيع موارد المياه. كما لا يمكن تجاهل خطر اندلاع النزاعات المحلية وفقاً لهذا السيناريو.

إنما نحن بحاجة إلى اتخاذ تدابير ملموسة من أجل تحقيق الاستدامة على الصعيد العالمي والحد من معدل تغير المناخ. فقد أمست الكوارث المرتبطة بالمياه أشد الكوارث الطبيعية تدميراً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وهي تؤثر على نحو غير متناسب في النساء والفقراء والفئات المحرومة وتغذي الفقر.

أما في عام 2015 واستناداً إلى الخبرة المكتسبة في الأهداف‎ ‏الإنمائية‎ ‏للألفية‎، فسوف تقوم الدول برسم خطة عالمية جديدة وطموحة للتنمية وسوف تضع أهدافاً للتنمية المستدامة ترتكز على العمل الملموس. كما يجب أن يحتل تطوير العلوم والتكنولوجيا والابتكار مكانة مركزية في الخطة الجديدة. وسيتيح ذلك إجراء عمليات تقييم حديثة للموارد المائية استناداً إلى نظم معلومات سليمة ونهوج إدارية ناجعة، كما ستمكننا من إرساء قواعد تهدف إلى الدفع نحو أنماط إنتاجية واستهلاكية مستدامة.

واليونسكو ملتزمة بالمضي قدما في تحقيق هذه الأهداف على جميع المستويات استناداً إلى أسرة اليونسكو الفريدة المعنية بالمياه، بما فيها معهد اليونسكو للتعليم في مجال المياه، القائم في دلفت، والبرنامج العالمي لتقييم المياه في بيروجيا، بالإضافة إلى مراكز اليونسكو وكراسيها الجامعية المتخصصة في مجال المياه في كل أنحاء العالم. فيجب أن يمثل عام 2015 عام تكريس المجتمع الدولي لأهمية تعزيز القدرات وتشاطر الممارسات الجيدة في مجال المياه في سبيل بناء المستقبل الذي نريده للجميع ».

المصدر: اليونسكو (بتصرف)

Print This Post