الأراضي الرطبة تصون المياه

2013/02/9

إن جميع أشكال الحياة على الأرض تعتمد على المياه. وإذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013 سنة دولية للتعاون في مجال المياه، فإنها تسلم بأن المياه تمثل أهمية حيوية من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك للحفاظ على صحة الإنسان ورفاهته. وليس ذلك بالأمر الجديد، فوفقاً لمقولة ليوناردو دا فينشي، الذي أدرك هو أيضاً أهمية هذه المسألة، فإن « المياه هي القوة الدافعة للطبيعة بكامل جوانبها ».

إن المياه بالأساس تحقق التواصل والترابط. فمن حيث تنبع المياه وإلى أن تنصب في البحر، ومن خلال دورتها اللانهائية، فإنها تربط في ما بين أركان الكوكب الأربعة. ووفقاً لاتفاقية (رامسار)، فإن الأراضي الرطبة تحتل مكانة رئيسية في هذه الشبكة من الروابط، وأن استخدام الأراضي الرطبة استخداماً رشيداً هو من الأمور الأساسية لتحقيق إدارة مستدامة للمياه.

وقد تم في 2  فبراير الجاري الاحتفال باليوم العالمي للأراضي الرطبة لعام 2013 تحت عنوان »الأراضي الرطبة وإدارة المياه ». وتم الاحتفال بهذا اليوم بالشراكة بين البرنامج الهيدرولوجي الدولي التابع لليونسكو واتفاقية (رامسار). فالرابطة التي تجمع في ما بين المياه والسكان والأراضي الرطبة كانت دائماً في صميم أنشطة البرنامج الهيدرولوجي الدولي واتفاقية (رامسار). وتمثل الأراضي الرطبة مورداً ذا قيمة عالية من النواحي الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والعلمية؛ كما أن اختفاء هذه الأراضي لا يمكن تعويضه بأي حال من الأحوال.

توفر الأراضي الرطبة خدمات النظام الإيكولوجي الأساسية، أي المزايا التي يكتسبها الإنسان من الطبيعة؛ كما أن من شأنها تنظيم المياه وتوفيره. وتبعاً لذلك، فإن إدارة المياه و »استخدام الأراضي الرطبة استخداماً رشيداً » هما من الأمور التي ترتبط فيما بينها برباط لا ينفصم. ويتمثل الغرض الأساسي من اليوم العالمي للأراضي الرطبة لعام 2013 في رفع مستوى وعي الناس بأوجه الترابط بين المياه والأراضي الرطبة، وتسليط الضوء على الوسائل الكفيلة بضمان تشاطر منصف للمياه بين شتى مجموعات الأطراف المعنية، فضلاً عن توعية الناس بأن غياب الأراضي الرطبة يعني بالضرورة غياب المياه.

إن الانتفاع بالمياه النظيفة بكميات كافية هو شرط من الشروط الأساسية لبقاء الجنس البشري. ونحن ما زلنا لا ندرك إدراكاً كاملاً دور الأراضي الرطبة باعتبارها من العناصر الأساسية لإدارة المياه في إطار عمليات الإمداد والتنظيم التي تعتمد عليها البشرية برمتها. وما زالت ممارسات تغيير أساليب استغلال الأراضي وتحويل مجرى المياه وتنمية البنى التحتية تسبب تدهور الأراضي الرطبة واختفاءها. وفي غياب إدارة مناسبة للأراضي الرطبة، فلن تتوافر مياه من نوعية جيدة وبكميات كافية أينما ومتى كان ذلك ضرورياً. ولإدارة المياه، ينبغي اتخاذ تدابير إدارية مناسبة. ويقتضي ذلك على نحو متزايد أن تنتقل عملية اتخاذ القرارات الخاصة بإدارة المياه من الأوساط الحكومية إلى صميم المجتمع.

إننا جميعاً ممن يديرون شؤون المياه. فهذا الدور لا يقتصر على شركات المياه فحسب ولا على الهيئات العامة المعنية بالتنظيم. ومتى فتحنا صنبور الماء أو اشترينا غذاءً، فإننا نكون مسؤولين عن جزء ضئيل من الدورة الواسعة الخاصة بإدارة المياه. أما جسم الإنسان فإنه يحتوي أساساً على أكثر من 60% من وزنه ماءً.

ما هي الوسائل الكفيلة بضمان انتفاع السكان الذين تتزايد أعدادهم بموارد المياه الثمينة، مع ضمان حماية النظم الإيكولوجية التي نعتمد عليها في المستقبل؟ إن التسليم بالوظائف الإيكولوجية الأساسية للأراضي الرطبة باعتبار أنها تضبط نظم المياه يكتسب في هذا الشأن معناه بالكامل. فالأراضي الرطبة هي البنية التحتية المائية الطبيعية للعالم التي توفر مورداً للمياه النظيفة وتخزّن المياه العذبة. أما اختفاء هذه الأراضي وتدهورها فإنهما يؤديان إلى تفاقم حدة مشكلات إمدادات المياه وإلى التأثير بشكل سلبي على رفاهة الجنس البشري.

ومع ذلك، فإن نقص المياه والأمن المائي ليسا من المشاكل التي تقتصر على قطاع المياه: فهما يخصان المجتمع بكامل أركانه؛ وإذا ما أُردنا تأمين إمدادات المياه، فإن دور الأراضي الرطبة يمثل أيضاً خياراً مجتمعياً. فمن الممكن لكل حكومة ولكل فرد التأثير على القرارات المستقبلية.

إن الأراضي الرطبة هي « مزودة المياه » التي تقوم بمعالجتها وتنقيتها. وهي أيضاً «  مستخدمة المياه  » التي تحتاج إلى كمية معينة من المياه حتى يمكن لها مواصلة توفير المياه، بصرف النظر عن العديد من الخدمات والمنتجات الأخرى التي تقدمها للناس. ولا ينفصل دور هذه الأراضي في الدورة المائية عن إدارة الموارد المائية، وذلك ابتداءً من الحوض المحلي وحتى مستجمعات مياه الأنهار الدولية. ولما كنا جميعاً ممن يديرون المياه، فإن من الواجب أن نتحمل مسؤولية استخدام الأراضي الرطبة استخداماً رشيداً حتى تستمر البشرية في الحصول على المياه.

ما الذي يمكن أن نفعله؟

إن الأنشطة المنفذة على المستوى المحلي الرامية إلى إعادة تدوير واستخدام المياه والاقتصاد في استهلاكها إنما تشكل الأساس التي تستند إليه إدارة مستدامة للمياه، ولا ينبغي التقليل من أهميتها. أما الأطراف المعنية المحلية فلها دور مباشر تضطلع به في إنجاز مبادرات لإدارة المياه تتسم بطابع أوسع نطاقاً، وذلك في إطار مبادرات على مستوى الأسر، مثل جمع مياه الأمطار وتصميم الحدائق التي لا تستهلك كميات كبيرة من المياه، أو الحد من استهلاك المياه أو تحسين الأراضي الرطبة المحلية. وبالمثل، فإن من الواجب تشجيع هذه الأطراف على أن تأخذ في الاعتبار خبراتها وشواغلها المتعلقة بعمليات اتخاذ القرارات الخاصة بإدارة المياه. ولا ينبغي التقليل من أهمية القدرة على تغيير الأوضاع في ما يتعلق بالعمل على مستوى القاعدة.

إن في مقدور المستهلكين أن يخفضوا مستوى استهلاكهم للمياه على نحو مباشر، وذلك مثل إنشاء المرافق الصحية واستخدام مراش الاستحمام التي تحقق وفراً في المياه، وإقفال صنبور الماء عندما ينظفون أسنانهم بالفرشاة، واستخدام كميات قليلة من المياه لري حدائقهم، والامتناع عن سكب عقاقير أو أصباغ أو أي نوع من الملوثات في المغاسل. كما أن في وسعهم أن يدعموا حماية نظم الأراضي الرطبة وترميمها.

غير أن المستهلكين لديهم أيضاً تأثير مائي غير مباشر، وعادة ما يفوق هذا التأثير بكثير التأثير المباشر. ومن أجل خفض تأثير المستهلكين المائي غير المباشر، فإن أمامهم خيارين أساسيين. ويتمثل أحد هذين الخيارين في الامتناع عن شراء المنتجات ذات التأثير المائي القوي واختيار منتجات ذات تأثير مائي طفيف للغاية. ويرمي الاختيار الثاني إلى الحفاظ على أسلوب الاستهلاك ذاته مع اختيار منتجات ذات تأثير مائي ضعيف نسبياً أو أن يكون تأثيرها في مناطق لا تشهد نقصاً حاداً في المياه.

ويقتضي اتخاذ مثل هذه الخيارات الحصول أولاً على المعلومات ذات الصلة. فمن الضروري تبعاً لذلك أن يطالب المستهلكون الشركات بأن تلتزم هي والحكومات بضمان الشفافية في ما يخص المنتجات. ولن يتسنى للمستهلكين اتخاذ خيارات واعية تماماً إلا إذا توافرت معلومات بشأن تأثير المنتجات على الدورة المائية. أما على المستوى الدولي فإن اتفاقية (رامسار) طلبت من الإدارات المحلية والوطنية التسليم بأن الأراضي الرطبة هي موارد مائية رئيسية لمنفعة أفراد الجنس البشري وأنها تمثل عنصراً رئيسياً ذا أهمية حاسمة في الدورة المائية التي تبقي على إمداداتنا من المياه. إن هذه الاتفاقية تعمل على نحو وثيق مع اليونسكو. فهما يتعاونان من خلال اتفاقية التراث العالمي وبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي والبرنامج الهيدرولوجي الدولي لليونسكو.

يساهم  البرنامج الهيدرولوجي الدولي لليونسكو بنشاط، في إطار شبكاته وشركائه، في تنفيذ اتفاقية (رامسار)، ولاسيما في ما يتعلق بتحديد وإحصاء المياه الجوفية العابرة للحدود والنظم الإيكولوجية التي تعتمد على المياه الجوفية وتتميز بأهمية حيوية في ما يتعلق بصون الأراضي الرطبة ومواردها واستخدامها على نحو رشيد.

 

المصدر: اليونسكو

Print This Post