صون التراث الثقافي غير المادي لتحقيق التنمية المستدامة (معرض مفتوح من 28 أكتوبر 2013 إلى 10 يناير 2014)

2013/11/10

لا يمكن لمجتمع أن يزدهر من دون الثقافة، كما لا يمكن تحقيق تنمية في غياب الثقافة. فالثقافة تنطوي على استجابات للكثير من التحديات التي تواجه المجتمعات في الوقت الحاضر. وإدراك الصلة بين الثقافة والتنمية إنما يؤكد على الأهمية الحاسمة للتراث الثقافي غير المادي ـ مثل الممارسات الثقافية الحية، وأشكال التعبير الثقافي ونظم المعرفة التي تعطي مغزى لشتى المجتمعات وتفسر العالم وتشكله.

ولتوضيح الدور الذي يقوم به التراث الحي في مجال التنمية المستدامة، تستضيف اليونسكو معرضاً مفتوحاً على أسوار مقر اليونسكو، وذلك من 28 أكتوبر إلى 10 يناير 2013. ويبرز هذا المعرض أمثلة قصيرة من مختلف أرجاء العالم (البرازيل، مصر، إستونيا، ساموا، إسبانيا) تبين كيف أن التراث الثقافي غير المادي يسهم في شتى جوانب التنمية المستدامة.

وعلى الرغم من منافعه البينة، فغالباً ما تتغاضى الدوائر التنموية عن التراث الثقافي غير المادي ويتم اختزاله على نحو خاطئ في الفنون الشعبية والطقوس التي توصف بأنها لا تناسب سوى الاعتبارات الاقتصادية الخاصة بالسياحة والحرف اليدوية. وفي الحالات السلبية، يقترن هذا التراث بعادات ضارة وثابتة ولّى زمانها.

ومع ذلك، بينت دراسات عديدة بكل وضوح أن المجتمعات المختلفة تستخدم التراث الثقافي غير المادي بشكل يومي في جميع قارات العالم، وذلك لمعالجة سائر الأمور بدءً من ندرة الأغذية والتغير البيئي حتى المشكلات الصحية أو التعليم أو درء النزاعات وتسويتها سلمياً. إن التراث الثقافي غير المادي، الذي يجسد الرعاية اليقظة للموارد الطبيعة، ونقل المعارف المتراكمة، يُعتبر مصدراً حيوياً للخبرة، ويكمن في صميم هوياتنا. وبدون شك، أن هذا التراث ينطوي على إجابات للعديد من قضايا العالم التي نشهدها.

إن التحديات تتزايد في جميع أرجاء المعمورة. ويرد في مشروع الألفية الذي ترعاه الأمم المتحدة وأوصى بتنفيذه الأمين العام لهذه المنظمة، أن أكثر من 2.7 مليار نسمة ما زالوا يكافحون من أجل الحصول على ما يقل عن دولارين في اليوم، وأن 800 مليون نسمة يعانون من الجوع بشكل منتظم، بينهم 300 مليون طفل. وثمة مشاكل متنوعة تعرض للخطر مستقبلنا المشترك، مثل تغير المناخ واتساع نطاق أوجه التفاوت الاجتماعي ونضوب الموارد وفقدان التنوع البيولوجي والنزاعات وسوء الإدارة وفرص الانتفاع غير المتكافئة بالأغذية والتعليم وتزايد أعداد المسنين بين السكان والتوسع الحضري غير المقيد والأزمات الصحية وندرة المياه، وغير ذلك من أمور كثيرة. ومن ثم فإن التراخي لا يمكن أن يمثل اختياراً ذا معنى.

وفي هذا السياق، توفر اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003 مجالاً مهماً ومتواصلاً لإجراء الحوار وتبادل الأفكار والتعاون. فهذه الاتفاقية تتيح إطاراً لجميع المجتمعات ومعارفها أن تكون على قدم المساواة مع نهج تنموية أخرى. كما أن هذه الاتفاقية، بما تنطوي عليه من مراعاة للوثائق الدولية القائمة الخاصة بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، تعزز بقدر أكبر هذا الإطار. وتجدر الإشارة الى أن مندوبية ليبيا قد درست هذه الاتفاقية وأوصت بالمصادقة عليها من قبل جهات الاختصاص في الدولة الليبية.

إن إدماج التراث الثقافي غير المادي في ما يجري في الوقت الراهن من حوار وسياسات وبرامج واستراتيجيات بشأن التنمية المستدامة إنما يمثل مسألة عاجلة. وفي هذا الصدد، فإن التقرير الرئيسي الذي رفعه فريق عمل منظومة الأمم المتحدة المعني بخطة التنمية للأمم المتحدة لما بعد عام 2015، والمعنون « المستقبل الذي نريده للجميع »، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، إنما يوفر هيكلاً مفيداً للمناقشات والأنشطة المستقبلية تتميز بأربعة أبعاد محددة، هي:

(1) التنمية الاجتماعية الجامعة؛

(2) التنمية الاقتصادية الجامعة؛

(3) الاستدامة البيئية؛

(4) السلام والأمن.

ويمكن اعتبار كل من هذه الأبعاد من منظور التراث الثقافي غير المادي ـ كما هو مبين في الحالات الواردة في المعرض. فثمة حالات تخص ما يثيره من انفعالات كرنفال « فريفو » في ولاية بيرنامبكو في البرازيل، وهو الكرنفال الذي يبين كيف تتمكن مجتمعات « ريسيف » من أن تتعايش في انسجام وكيف يدعم تراثها المشترك مجتمعاً متماسكاً.

ويعبّر هذا المعرض عن اقتناع اليونسكو بأن الساموائيين الذين ينسجون أوراقاً من نبات البندانوس في حصائر وحقائب جميلة لديهم الكثير مما نحتاج إلى تعلمه بشأن احترام الاستدامة البيئية.

ويذكرنا أيضاً هذا المعرض بأن المجتمعات في جميع أرجاء العالم قد أقامت مؤسسات اجتماعية لإدارة الموارد الطبيعية النادرة مثل المياه وللتوسط في الخلافات التي قد تنشأ بين الجيران، وذلك مثلما يحدث في محاكم منطقة فالينسيا وبلدة مورسي في إسبانيا التي تضطلع بتسوية النزاعات بين مستعملي المياه في أغراض الري.

المغزى من وراء هذا المعرض، يتمثل في إيمان اليونسكو، وأنه ينبغي اعتبار الثقافة فاعلاً أساسياً للاستدامة، ومصدراً للتصدي للتحديات وإيجاد الحلول المناسبة.

يتم تنظيم هذا المعرض للاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003، وذلك بفضل المساهمات المالية السخية التي قدمتها كل من موناكو وتركيا.

المصدر: اليونسكو

Print This Post