توجهات اليونسكو في السنة الدولية للتعاون في مجال المياه

2013/02/25

لقد جعلت اليونسكو العلوم والتقنيات المتعلقة بالمياه في صميم اهتماماتها، فهي تسعى إلى البحث عن الإشكاليات المائية قصد تحليلها والبحث عن حلول لها، فتعددت بذلك اهتماماتها ومشاغلها. وكان الاجتماع الذي نظمته اليونسكو يوم 22/1/2013 بالاتفاق مع الدول الأعضاء حول محاور « المياه الصالحة للشرب سبيل إلى السلام والتنمية المستدامة » فرصة سانحة لطرح العديد من برامج اليونسكو والتعريف بدورها في مجال المياه.

المياه: مورد حيوي

تعتبر المياه ذات الجودة العالية مفتاحاً لصحة ورفاه البشر وعنصراً أساسياً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتشير التقديرات إلى أن المياه العذبة سوف تزداد ندرة في السنوات المقبلة. وأن نقص المياه الصالحة للشرب قد يؤدي إلى تفاقم الأعباء التي يتحملها الفقراء والأشخاص الذين يعانون نقصاً في التغذية والى رفع معدلات الوفيات، فكان الشعار الذي ينبغي أن نستضيء به هو « علينا أن نتحد اليوم لتأمين الماء النقي والغذاء النظيف لكل مواطن في العالم، الآن وفي المستقبل ».

هناك سبعة مليارات نسمة على كوكب الأرض، ومن المتوقع إن يزداد هذا العدد بقدر مائتي مليار نسمة بحلول عام 2050، فإن مهمة تغذية الجميع تتطلب مبادرات عالمية. وتدل البيانات المستخلصة من تقرير الأمم المتحدة الرابع عن تنمية المياه في العالم على أن الطلب على الغذاء سيرتفع بنسبة 70% مما تؤدي إلى زيادة الطلب على المياه.

إن تحسين إدارة الموارد المائية، وزيادة فرص الحصول على المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية وتعزيز النظافة الصحية بإمكانها أن تحسن جودة الحياة للمليارات من البشر، كما بإمكانها أن تساعد على خفض معدل وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأمهات وخفض معدلات الاصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه.

إن اليونسكو، تقود الجهود في توظيف إستراتيجية جديدة للحفاظ على المياه على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، فمن ضمن برامجها المعنية بشؤون المياه ما ورد في خطط وبرامج وإستراتيجية كل من معهد التعليم في مجال المياه التابع لليونسكو، المعهد الدولي لهندسة البنى الأساسية والهندسة المائية والبيئية، والبرنامج الهيدرولوجي الدولي وغيرها. وعملت اليونسكو على رسم برنامج يهدف إلى معالجة مشكلة الاستخدام غير المستدام للمياه العذبة وتزويد قوى دفع جديدة لتحسين إدارة موارد المياه العذبة في العالم. وقد عمدت المنظمة إلى جعل موضوع المياه من أهم المواضيع المطروحة على بساط الدرس المتعلقة بأهداف سنة 2015، وجعل المياه العذبة حقاً من حقوق كل انسان. وقد نبّه أعضاء المنظمة إلى أنّ الموارد المائية الحالية تعاني حالة من الخطر الناجم عن تغيّر المناخ بدرجة أولى والتغييرات العالمية الأخرى بدرجة ثانية.

مؤشرات:

·  85 % من سكان الأرض يسكنون في المناطق شبه الجافة؛

· 1.5 مليار نسمة يعيشون في المناطق الأكثر فقراً في العالم (إفريقيا وآسيا) وهم يعتمدون في حياتهم على المياه الجوفية؛

· هناك نحو 0.8 مليار نسمة لا يؤمنون الماء الصالح للشرب، ونحو 2.5 مليار نسمة لا يحصلون على المرافق الصحية اللازمة؛

· يوجد العديد من الأشخاص الذين يموتون كل عام جرّاء الكوارث المتصلة بالمياه والأمراض. وقد ساعد تغير المناخ إلى تفاقم هذا الوضع؛

·  يتم تصريف ما نسبة 85% من مياه الصرف الصحي في العالم دون العلاج المناسب؛

· يوجد 145 دولة تقوم بجمع المياه المستعملة في أحواض لمعالجتها قبل وصولها إلى الأنهار العابرة للحدود؛

· تقدر تكاليف التكيّف مع آثار تغير المناخ على المياه بحلول عام 2050، وبين 83 % و 90 % في الدول النامية إلى حوالي 12 مليار دولار أمريكي في السنة.

الأمن المائي: أحد التحديات الرئيسية في القرن 21

يتعرّض حوالي 80 % من سكان العالم إلى مستويات عالية من تهديدات الأمن المائي، من حيث مسألة وفرة المياه والطلب عليها، إضافة إلى عوامل أخرى. ويعرف الأمن المائي بقدرة « السكان على ضمان إمكانية الحصول على كميات كافية من المياه ذات النوعية المقبولة للحفاظ على صحة الإنسان والبيئة، وضمان الحماية الفعالة للحياة والممتلكات ضد المخاطر المتعلقة بمياه – الفيضانات والانهيارات الأرضية، هبوط الأرض، والجفاف ». وفي هذا السياق قامت اليونسكو بإعداد خطة لتحقيق الأمن المائي قصد الاستجابة للتحديات المحلية والإقليمية والعالمية من خلال برنامج مدتّه 3 سنوات بعد التشاور مع الدول الأعضاء. هذه الخطة، المقابلة للمرحلة الثامنة من برنامج الهيدرولوجي الدولي (IHP)، تغطي نفس فترة الإستراتيجية المتوسطة الأجل لليونسكو (2014-2021) واعتمد في الدورة 20 (يونيو 2012) للمجلس الحكومي الدولي القرار الذي يوصي المؤتمر العام لليونسكو بدمج العناصر الرئيسية للمرحلة الثامنة للبرنامج.

إن مصير منطقتنا العربية مرتبط بمواردنا المائية. ولبناء المستقبل الذي نريد، لا بد لنا من تأمين المورد المائي والذي لا يتأتى إلاّ بتعزيز مساهمات العلوم والابتكار. وقد عبرّت اليونسكو عن استعدادها لدعم هذه العملية والقيام بالإجراءات اللازمة التي تساهم في تعزيز الأمن المائي من أجل السلام والتنمية المستدامة. استناداً إلى أولويات واحتياجات الدول الأعضاء، تركز المرحلة الثامنة للبرنامج على مجالات المعرفة لإدارة المياه بشكل صحيح وتأمين المياه المطلوبة لضمان الأمن البشري. ومن أجل تحقيق هذه الخطة، سيتم التركيز على المحاور التالية:

- المحور 1: تعبئة التعاون الدولي لتحسين المعرفة والابتكار لمواجهة التحديات الأمنية المرتبطة بالمياه:

يبين التاريخ أن موضوع المياه الصالحة للشرب يحظى باهتمام على الأصعدة الدولية والإقليمية والوطنية. وهناك حاجة ليس فقط إلى هذا التعاون لتجنب النزاعات المحتملة، ولكن أيضاً بالنسبة لمسألة الإدارة المناسبة للطبقات المياه الجوفية العابرة للحدود وأحواضها، لغاية النهوض والمعرفة وتنمية القدرات البشرية والمؤسسية.

أعلنت الدول الأعضاء المشاركة في المؤتمر العالمي ريو + 20 المستقبل الذي نريد خلال الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، « نحن ندرك أن المياه هو في صميم التنمية المستدامة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بعدد من التحديات العالمية الرئيسية ولذلك نذكر أهمية إدماج المياه في التنمية المستدامة، ومن أجل هذه الغاية نؤكد الحاجة إلى المساعدة والتعاون الدوليين. وسوف تسعى اليونسكو إلى تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في مجال المياه من خلال تعزيز التحالفات، وبناء التبادل الفكري، وتشجيع تبادل المعرفة والشراكات التنفيذية لتحقيق الأمن المائي. وسوف يتحقق هذا على وجه الخصوص من خلال أنشطة مشتركة من شبكة واسعة من اللجان الوطنية، كالبرنامج الدولي للهيدرولوجيا وفئة 1 وفئة 2 من المعاهد والمراكز، الكراسي اليونسكو وشبكات توأمة الجامعات. وتعد أنشطة اليونسكو المفتاح لهذا المحور وتشمل تقييمات شاملة لموارد المياه العذبة في العالم، وتوفير معلومات محدثة لإدارتها. وسيتم تعزيز واستمرار هذه الأنشطة من خلال التقرير العالمي السنوي لتحسين تنمية الموارد المائية المخصصة لمواضيع محددة من القضايا العالمية وعلى رأسها قضايا المياه.

- المحور 2: تعزيز الترابط بين العلوم والسياسات للوصول إلى الأمن المائي على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعلمية:

لا يمكن أن يتحقق الأمن المائي إلاّ عن طريق وضع سياسات حكيمة، استناداً إلى المعرفة السليمة للمياه وتفاعلاتها. واليونسكو في وضع متميز تؤهلها لمساعدة الدول الأعضاء في التصدي للتحديات العالمية التي تلقاها في مجال توفير المياه العذبة. وسوف تتبع المنظمة منهجاً مدروساً في مواجهة هذا التحدي. يكون متكاملاً ومتعدد القطاعات والتخصصات، بما في ذلك الابتكار والعلوم والهندسة. يضع برنامج المياه العذبة، والهيدرولوجي الدولي المنظمة في طليعة المنظمات التي دعت إلى ضرورة الترابط بين العلوم والسياسات. وتهدف اليونسكو إلى تعزيز دورها في تقديم المشورة إلى الدول الأعضاء في مجال المياه العذبة. ولهذه الغاية، سعت اليونسكو إلى تعزيز التعاون مع المؤسسات القائمة والشركاء الوطنيين ذوي العلاقة بالمياه. وعلاوة على ذلك، فإن المنظمة تسعى لتعبئة المجتمع العلمي، بما في ذلك الخبراء المحليين في البلدان النامية، لبناء توافق في الآراء العلمية وتوفير التوجيه لصانعي السياسات لاتخاذ قرارات مستنيرة. في هذه العملية، سيتم إيلاء اهتمام خاص للمعارف التقليدية والأصلية، المساواة بين الجنسين، والإدماج الاجتماعي، والقضاء على الفقر. في هذا السياق، عززّت اليونسكو عملها مع الهيئات العلمية المختصة بالمياه مثل: أكاديمية العلوم العالمية، والمجلس الدولي للعلوم. وستواصل اليونسكو أيضاً دعم تطوير وتنفيذ القواعد والمعايير الدولية، مثل قانون طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود، وتوفير التوجيه للإدارة المتكاملة للموارد المائية.

- المحور 3: تطوير القدرات المؤسسية والبشرية لتحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي:

لا يمكن الوصول إلى الأمن المائي دون تطوير كافة القدرات البشرية والمؤسساتية، داخل وخارج قطاع المياه. وقد عزمت اليونسكو على مواصلة تعزيز التعليم في مجال المياه على جميع المستويات، بما في ذلك الجوانب المتصلة بالمعارف والمهارات والقيم. ويشمل ذلك توفير التوجيه الرسمي، وغير الرسمي، والتعليم في مجال تطوير المناهج في مجال المياه، والمساعدة على تطوير السياسات والموارد التعليمية. وتعتبر الجهود التي تبذلها المنظمة في هذا المجال متعددة الاختصاصات، وتنطوي على سلسلة واسعة من الشركاء مثل شبكة المدارس المنتسبة، وتدريب المعلمين، ومبادرات الشباب، والكراسي اليونسكو ومراكز الفئة 2، من بين أمور أخرى. من حيث القدرات المؤسسية، وسوف تواصل اليونسكو دعم إنشاء وتعزيز الهيئات ذات الصلة بالمياه الوطنية والإقليمية والدولية والشبكات الخاصة بهم.

تربط بين هذه المحاور صلات قوية ويعزز كل منهما الآخر. سوف تساهم في تخطي التحديات المتصلة بالمياه، ومواصلة معالجتها من خلال نهج متعدد المتخصصات، وتجاوز العديد من التحديات مثل تغير المناخ الذي يهدد المناطق الساحلية، والأنهار الجليدية، والمياه الجوفية، إضافة إلى الكوارث الطبيعية.

في كل محور، سيتم توجيه اهتمام خاص بإفريقيا باعتبارها من الأولويات العالمية إضافة إلى المساواة بين الجنسين. وعلاوة على ذلك، سوف يتلقى الشباب والدول الجزرية الصغيرة النامية أيضاً اهتماماً خاصاً. في هذه العملية، سوف تواصل اليونسكو جهودها لتعزيز جنوب/ جنوب، شمال/ جنوب، شمال/ شمال والتعاون الثلاثي على المستويين الإقليمي والعالمي. وستقوم اليونسكو بتعزيز الشراكات القائمة مع الشركاء من القطاعين العام والخاص، وكذلك بناء شراكات إستراتيجية جديدة للبرنامج الدولي للهيدرولوجيا، ويعتبر فريد من نوعه داخل منظومة الأمم المتحدة وغيرها، قصد التصدي بنجاح للتحديات المعقدة المطروحة والمتعلقة بالأمن المائي. سيتم تعزيز التعاون بين الشركاء الاستراتيجيين، ومع مرفق البيئة العالمية. وستقّيم اليونسكو المراكز والكراسي باعتبار لها دور هام في هذه العملية وتحسين نطاقها الجغرافي والموضوعي.

·  الشباب

الشباب هم من بين أكثر الفئات ضعفاً ومعرضة لأخطار المياه، وسوف تكون الأكثر تضرراً من آثار التغيرات العالمية. كما أنها تمثل الجيل القادم من مستخدمي المياه والمديرين لشأنه. ووضعية التعليم لا تزال حرجة جداً مما يصعب إعداد هذه الفئة لتكيف مع التحديات المائية الحالية والمستقبلية.

·  الدول الجزرية الصغيرة النامية

تعتمد هذه الدول اعتماداً شديداً على المياه الجوفية، وغالباً ما تمثل مصدر المياه العذبة المتاحة فقط. وقد يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم ضعف الموارد المائية في هذه الدول الصغيرة النامية، وكذلك تواتر الظواهر الجوية المتطرفة. وقد عملت اليونسكو على تنفيذ إستراتيجية موريشيوس وتعزيز دورها القيادي داخل منظومة الأمم المتحدة بشأن قضايا المياه العذبة المختلفة، قصد دعم هذه الدول في مجال تحسين ادارتها لاستغلال وتوزيع المياه.

· اهتمامات اليونسكو: إفريقيا والمساواة بين الجنسين

نظراً إلى ما تعيشه إفريقيا من حالة تأخر يعود إلى التغيرات المناخية، وارتفاع الضغط السكاني وعدم وجود سطح فعال إلى جانب غياب إدارة حكم رشيدة للموارد المائية الجوفية، فإن العديد من المناطق في أفريقيا معرضة لموجات الجفاف والفيضانات. لذلك عملت اليونسكو على دعم البلدان الإفريقية في مواصلة تطوير الفهم العلمي لدور المياه كمصدر للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وسيتم التركيز بشكل خاص على السلام والمياه والأمن؛ وبناء القدرات على مواجهة الكوارث، ودعم الدور الذي تقوم به المياه الجوفية في مجال الزراعة، والمناطق الريفية والحضرية وفي التنمية الإقليمية، ولاسيما في المناطق الشحيحة بالمياه وفي مواجهة تغير المناخ.

· المساواة بين الجنسين

يؤثر الحصول على موارد المياه العذبة مباشرة في حياة النساء. فهّن يمثلن أغلبية السكان المتضررين من المياه غير الصالحة، بل هّن في معظم الأحيان الجامعات والمستخدمات، والمسؤولات عن إدارة المياه في المنازل، ويشاركن بكثافة في الأنشطة الزراعية لإنتاج الغذاء. لذلك ستعمل اليونسكو على تعزيز تعميم مراعاة المنظور الجنساني في إدارة الموارد المائية، وتطوير القدرات بشأن القضايا ذات الصلة بالمياه وتمكين المرأة من فرصة الراحة. كما تدور جهود اليونسكو حول السعي إلى المساواة بين الجنسين وذلك بتعزيز شبكة موسعة من كراسي المياه ذات الصلة بشأن المياه والجنس.

· المناسبات المائية

مثلت المبادرات المشتركة بين الوكالات، وغيرها من المشاريع المشتركة في مجال المياه، وظيفة رئيسية لجدول أعمال التنمية لسنة 2015، بما في ذلك المشاورات بشأن وضعية المياه العالمية، وتنسيق احتفالات دولية، مثل السنة الدولية للمياه عام 2013 واليوم العالمي للمياه هو 22 مارس. تشمل هذه الاحتفالات إنشاء بيئة تمكينيّة من أجل التنمية المستدامة لموارد المياه، وحسن إدارة المياه وإصلاح السياسات.

· أسرة اليونسكو للمياه

يعتبر البرنامج الهيدرولوجي الدولي من برامج اليونسكو في مجال الاهتمام العلمي بالمياه، وقد أنشئ في عام 1975، ليصبح مبادرة المياه العذبة الأولى مع إضفاء الطابع المؤسسي عليه ليكون ذو الطابع الحكومي الدولي الوحيد في منظومة الأمم المتحدة. يخضع البرنامج إلى مراقبة من قبل المجلس الدولي الحكومي، الذي يشكل الهيئة الفرعية للمؤتمر العام لليونسكو. وينفذ برنامجه على مراحل من خلال عملية تشاوريه شاملة مع اللجان الوطنية، والجمعيات العلمية الدولية وهيئات الأمم المتحدة الأخرى، سعياً لضمان الظروف الملائمة للوضع المائي والتنسيق المؤسسي في ذات المجال بشكل عام.

المصدر: مندوبية ليبيا استناداً لما صدر عن اليونسكو

Print This Post