تغيير التعليم بتأسس في المرحلة الابتدائية؛ (التربية السلوكية) نموذج

2013/02/12

أن التغيير الحاصل في ليبيا وفي معظم دول الربيع العربي الأخرى، أوجد مناخاً صحياً وخصباً لاتخاذ التدابير اللازمة بمهنية وصدق لإحداث التطور المنشود لمناهج الدراسة للمرحلة الابتدائية – على وجه الخصوص – بسبب ما عانت منه هذه المناهج بالذات – في ليبيا على سبيل المثال – من مسخ وانحراف وطمس للهوية، وزعزعة للقيم والمبادئ. وليتزامن مع هذا التغيير، ويتبعه إعادة النظر الجادة والعميقة في مناهج الدراسة، وبرامج التعليم وللمراحل اللاحقة؛ الثانوية، الجامعية، العليا. ولا تقف – إعادة النظر هذه – عند الأهداف التدريسية، والمحتوى التعليمي وإنما ينبغي أن تتعداهما إلى وسائل التعليم، وطرق التدريس، وأساليب التقويم والقياس.

أن الحدس والتخمين الذي يتكون لدى نساء ورجال التعليم الصادقين، وما تنتهي إليه تجارب الآخرين ومستخلصاتها من قبل الكفاءات الوطنية، وما تؤول إليه الرؤية الثاقبة للقصور والتقصير الذي كانت تعاني منه المناهج الدراسية في العقود السابقة، كل ذلك يمثل أساساً ومنطلقاً للتغيير والتطوير في الوقت الحاضر، دون الانتظار لما ستسفر عنه الدراسات التحليلية المتأنية – رغم أهميتها وضرورتها – والى حين انتهاء هذه الدراسات – بفرض وجودها في الوقت الحاضر – إلى نتائجها الموعودة، وتوصياتها المرتقبة. ينبغي لنا أن نقتحم – متوشحين بالخبرة التعليمية الناضجة. والعزم الأكيد على التغيير – المجالات التربوية والتعليمية لنكشف عنها الغشاوة، ونحررها من التقليد والرتابة التي علقت بها في السابق، ونحاول محاولة جادة في أن يكون التغيير واقعاً معاشاً نسعى إليه حثيثاً مسترشدين بمعالم رسمناها للمستقبل وبأهداف اتفقنا عليها من خلال حوار وطني ملتزم، دون الاكتراث بتجاذبات الماضي والركون إلى المعتاد من الطرق والأساليب والمسميات.

أن هذه النظرة المجردة تملي تقديم (مثال) يشير إلى ما نهدف إليه في هذا المقام من  أحداث تطور في البنية التعليمية للمرحلة الابتدائية وقد نكون في خلفيتنا متأثرين بالمدرسة اليابانية التي تهتم بالتعليم الابتدائي وإعداد المعلم وإحلالهما في أعلى سلم الأولويات سواء من حيث الإعداد أو الإدارة أو التمويل.

أن (المثال) الذي نقدمه للإشارة إلى مضمون التغيير المطلوب هو استحداث مادة ضمن البرنامج التعليمي للمرحلة الابتدائية تكون بمسمى (التربية السلوكية) بوعاء زمني لا يزيد عن 5 % من الوقت المخصص للدراسة الفعلية لجميع سنوات المرحلة الابتدائية، وتختص هذه المادة بدراسة: القيم الأخلاقية، وحسن التعامل مع الناس، والكيفية المثلى للعيش مع الآخر بطريقة تناسب المرحلة والبيئة.

وتهدف – هذه المادة – إلى إكساب التلميذ التربية الرشيدة على التخلق بالسلوك السوي، وغرس المفاهيم البناءة للشخصية المتكاملة وتوظيف هذه المفاهيم في آداب وسلوك ونمط حياة. وإرساء قواعد المواطنة السليمة، وإذكاء روح العمل التطوعي، وحب الوطن واحترام الآخرين.

وهذه المادة ليست للحفظ والتلقين، وإنما للفهم والتطبيق وتثبيت العادات والتقاليد الصالحة، والإقلاع عن العادات الضارة والمفسدة للفرد والمجتمع، دون أن يلحق بهذه المادة أي اقترانات شرطية سلبية، وإن أدى ذلك إلى جعلها مادة للنجاح – ولا رسوب فيها – تؤدي نتائج التقويم فيها إلى تدعيم (التقدير) الذي ينجح به التلميذ لإكسابها الحافز الايجابي، دون أن يكون لها أثر سلبي على نتيجة التلميذ من حيث الرسوب أو النجاح.

من نافلة القول التذكير بوجوب تضمين محتويات هذه المادة مجموعة من المفردات تؤدي إلى:

· تكوين طريقة للتفكير التحليلي والنقدي، وتلقي النقد وتقبله وتحمله، وتنمية القدرة على إبداء الرأي بحرية وشجاعة وموضوعية، مع احترام الآخرين وعلى رأسهم الأبوين، وتقدير الكبار، والعطف على الصغار، واستقبال الضيف، وعدم التعامل مع الآخرين بأفكار سلبية مسبقة.

· التمسك بالدين الإسلامي الحنيف، والبعد عن الزيغ، والإسفاف والعنف، والعمل على التأدب بآداب الاسلام (إنما الدين المعاملة) وتحري الصدق في القول، والأمانة مع النفس ومع الآخرين، والبعد عن الحسد والبغض والحقد، وفحش الكلام.

· التحلي بثقافة السلام والتسامح ونشر الوئام والموّدة في المجتمع.

· المشاركة في إدارة البيت، وإدارة الفصل الدراسي، والتعاون مع الآخرين، والعمل بروح الفريق، والمحافظة على الوقت بطريقة مفيدة لا هدر فيها ولا تقصير.

ويمكن الاسترشاد في إعداد المحتوى الدراسي لهذه المادة بما ورد في التعاليم الإسلامية الصحيحة؛ (مروا أولادكم بالصلاة)، (علموا أولادكم السباحة) وبما ورد في التراث العربي من نصوص حول تربية الأولاد والبنات، وما جاء في أدبيات الموضوع لدى المنظمات الدولية كاليونسكو، وما نص عليه ميثاق حقوق الطفل، ومنشورات منظمة اليونيسيف.

لا جدال في أن هذا المقترح – إذا ما رأت جهة الاختصاص جدواه – يحتاج إلى برامج لتهيئة المعلم والمدرسة، وإعداد للمادة الدراسية، وتحديد لأساليب التربية والتعليم والتدريب، ورسم لطرق التقويم والقياس. ويتولى كل ذلك المتخصصون في وزارة التربية والتعليم.

المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو

Print This Post