اليونسكو تعزز أنشطتها الخاصة بصون التراث الثقافي المعرض للاعتداء

2014/08/22

أدت الأحداث التي شهدتها سوريا والعراق وليبيا ومالي في الفترة الأخيرة إلى تسليط الضوء على المخاطر المتعددة التي تهدد التراث الثقافي خلال الأزمات، ومنها الهجمات المتعمدة، والأضرار الجانبية الناجمة عن أعمال القتال، وجشع تجار وجامعي التحف الفنية عديمي الضمير، وأعمال التخريب التي ترتكبها الفصائل الساعية إلى محو إنجازات ثقافات الماضي.

وأظهرت هذه الأحداث الطابع المعقد لأي تدابير ترمي إلى صون التراث الثقافي.

وقد وضعت اليونسكو مجموعة شاملة من الوثائق الدولية لحماية التراث الثقافي. وتوفر الاتفاقية الخاصة بالوسائل التي تستخدم لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة (1970) واتفاقية التراث العالمي (1972) أساساً متيناً لحماية التراث الثقافي. وتشتمل اتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح (1954) وبروتوكولاها على معايير دولية إضافية تتيح معالجة المخاطر المحددة التي تواجهها الممتلكات التراثية في فترات النزاع. وإضافةً إلى ذلك، ينص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن التدمير المتعمد للمباني التاريخية يشكل جريمة حرب. ويوفر ذلك قاعدة متينة لمعالجة مشكلة إفلات مرتكبي هذه الاعتداءات من العقاب.

وإقراراً بما للثقافة من دور قوي في بناء التماسك الاجتماعي والإسهام في تحقيق المصالحة والسلام، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في القرار 2100 بشأن مالي والقرار 2139 بشأن سوريا إلى حماية التراث الثقافي والتنوع الثقافي. ومن الجدير بالذكر أن إدراج عنصر الثقافة في العمليات الإنسانية وعمليات الإنعاش وإعادة البناء يقدّم فرصة مهمة لتحديد الطريقة التي يمكن أن تسهم بها أنشطة حماية التراث الثقافي إسهاماً فعالاً في التدابير الأوسع نطاقاً التي تتخذها الأمم المتحدة من أجل التصدي للأزمات.

وتسعى اليونسكو من خلال حملاتها الترويجية وأنشطتها إلى إعادة تأكيد أهمية هذه المعايير الدولية، وضمان تطبيقها على الصعيد القطري، وتسليط الضوء على أن عدم الالتزام بها تترتب عليه آثار واسعة النطاق على صعيد الاستقرار والإنعاش والتنمية. وتعتبر اليونسكو من هذا المنطلق أن حماية الأرواح وحماية الثقافة أمران أساسيان ومترابطان في فترات النزاع. وفي الحالات التي يكون فيها التراث الثقافي معرضاً للخطر، وهو ما حصل في الفترة الأخيرة في سوريا والعراق ومالي، تسترعي المديرة العامة لليونسكو انتباه الجهات والأطراف المعنية إلى الضرورة الملحّة لحماية المواقع الثقافية والأثرية والمتاحف والمكتبات ودور المحفوظات من الآثار المدمرة للحرب.

إعطاء الأولوية للتدابير الوقائية

يتمثل أحد الدروس الرئيسية التي تسنى استخلاصها من تطبيق المعايير الدولية المذكورة على الصعيد القطري في أن الوقاية والالتزام الطويل الأجل هما عاملان أساسيان في التخفيف من آثار الكوارث، سواء أكانت طبيعية أم من صنع الإنسان. ويتطلب ذلك توافر قيادة قوية فضلاً عن قدرات جيدة على الصعيدين الوطني والمحلي. وتساعد اليونسكو الدول الأعضاء فيها على تنمية هذه القدرات من خلال حملاتها الترويجية وأنشطة التوعية التي تضطلع بها، وعن طريق إسداء المشورة وتوفير التدريب.

وأثبتت التجربة أن تهيئة المهنيين المحليين والمجتمعات المحلية هي أفضل ضمانة لإبقاء التراث الثقافي بمنأى عن أي ضرر في حالة حدوث أزمة ما. ولذا، فإن الجهود الرامية إلى تعزيز القدرات الوطنية وزيادة وعي السكان المحليين فيما يخص حماية التراث الثقافي في حالات الطوارئ يجب أن تركز على التدابير الوقائية، لا على « مساعي اللحظات الأخيرة ». وينطبق ذلك بوجه خاص على فترات النزاع عندما يكون من الصعب، بل من المستحيل أحياناً، إيصال المساعدات الدولية إلى المناطق المتأثرة بالنزاع.

حشد الطاقات لصون التراث في فترات النزاع

لحقت بتراث سوريا أضرار كبيرة من جراء النزاع الذي يشهده البلد منذ أكثر من ثلاث سنوات. وعلى الرغم من شجاعة المهنيين العاملين في مجال الثقافة والتزامهم بحماية تراثهم، فإن نطاق الدمار والأضرار هائل فعلاً. ولا بد في الحالات التي تبوء فيها تدابير الوقاية والتخفيف من آثار النزاع بالفشل من أن يُجرى على سبيل الأولوية رصد متواصل وتقييم مبكر للأضرار بغية إعداد خطة سليمة ومنسقة لإنعاش التراث وإصلاحه في المستقبل. ولهذا السبب، أنشأت اليونسكو على شبكة الإنترنت مرصداً دولياً لمتابعة حالة التراث الثقافي في سوريا ولدعم أنشطة التعاون الدولي من أجل حماية تراث البلد.

ويبدو أن الاتجار غير المشروع هو من أسوأ المخاطر التي تهدد الممتلكات الثقافية في العالم خلال فترات النزاع. فعندما تُمس سيادة القانون والنظام العام، لا يصبح نهب المواقع الأثرية والمتاحف أمراً سهلاً فحسب، بل يصبح أيضاً وسيلة تتيح للجماعات الإجرامية جني الكثير من الأموال. وتعمل اليونسكو بنشاط لوقف الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية في البلدان المعرضة لمخاطر النهب مثل سوريا والعراق. وتقوم المنظمة بذلك بالتعاون الوثيق مع المجتمع الدولي، ولا سيما البلدان المجاورة، والمؤسسات المعنية، وبخاصة المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول)، والمنظمة العالمية للجمارك، والمركز الدولي لدراسة صون الممتلكات الثقافية وترميمها، والمجلس الدولي للمتاحف. وتعمد اليونسكو بصورة منتظمة إلى تذكير العاملين في أسواق الفن بواجبهم المهني والأخلاقي الذي يقضي بالتحقق من مصدر القطع الفنية المتداولة وبتيسير رد الممتلكات الثقافية المسروقة أو التي جرى التنقيب عنها بصورة غير مشروعة.

ومن المخاطر الكبيرة الأخرى التي تهدد المواقع الأثرية والآثار على حد سواء، استخدام هذه الأماكن لأغراض عسكرية واستهدافها، وهما أمران يحظرهما القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح (1954). وترفع المديرة العامة لليونسكو صوتها في هذه الحالات من خلال تصاريح تدعو فيها إلى حماية التراث الثقافي حيثما كان ذلك ضرورياً، وهو ما حصل حديثاً في حالة سوريا والعراق.

وفي نداء مشترك بشأن صون تراث سوريا الثقافي، عمد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، والمديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، والأخضر الإبراهيمي الذي كان يتولى آنذاك مهام الممثل الخاص المشترك بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية المعني بسوريا، إلى تسليط الضوء على هذا الخطر الكبير وعلى آثاره المدمرة. واعتبروا أن « تدمير آثار الماضي يحرم الأجيال المقبلة من إرث عظيم، ويزيد من مشاعر الحقد واليأس، ويعرقل أي مساعي ترمي إلى تعزيز المصالحة »، مضيفين أنه « آن الأوان لوقف الدمار وبناء السلام وحماية تراثنا المشترك ».

وتبرِز هذه التدابير القناعة التي أعربت عنها المديرة العامة لليونسكو مراراً ومفادها أن حماية التراث في فترات النزاع يجب أن تقترن اقتراناً وثيقاً بعملية توفير المساعدات الإنسانية وبالجهود الرامية إلى إعادة الاستقرار. وتتيح هذه التدابير أيضاً تمهيد الطريق لتوفير الاستجابة الملائمة في الأجل الأطول بعد الانتهاء من تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحّة. ويُعد التنسيق فيما بين كل الجهات الفاعلة منذ المراحل الأولى من عوامل النجاح الرئيسية. ويرتكز عمل اليونسكو على توجيهات الجهات المعنية التي تعمد المنظمة إلى التماس آرائها وخبراتها بانتظام. وتؤدي الجهات المعنية هذه أدواراً أساسيةً في إطار التصدي للأزمات. وهذا ما دفع باليونسكو، عندما تصاعدت أعمال العنف مجدداً في العراق، إلى عقد اجتماع طارئ للخبراء بشأن صون التراث الثقافي العراقي، شارك فيه خبراء عراقيون ودوليون لوضع خطة عمل طارئة لحماية التراث الثقافي المعرض للخطر في البلد.

إصلاح التراث لبناء الأمل والثقة والقدرة على الصمود

عندما تصبح عملية الإنعاش وإعادة البناء ممكنة، تضطلع اليونسكو بأنشطة ميدانية ترمي إلى دعم الجهود الوطنية لإحياء الثقافة ومعالجة الأضرار وإسداء المشورة للمساعدة في تدابير الإنعاش والإصلاح. وقامت اليونسكو في ليبيا بتيسير إعداد استراتيجية شاملة هدفها بناء القدرات الوطنية لمنع أعمال نهب الممتلكات الثقافية. ونظِّمت في مناطق ليبية مختلفة عدة دورات تدريبية متخصصة ركزت على دور رجال الشرطة وموظفي الجمارك. وفي مالي، تساعد اليونسكو على إعادة بناء الأضرحة الموجودة في تمبكتو. وأنجِزت عملية إعادة بناء أول ضريحين دمِّرا في عام 2012 من خلال شراكة مع المجتمعات المحلية المعنية. غير أنه سيتعين تأمين مبلغ إضافي قدره 8 ملايين دولار لإصلاح الموقع برمته، بما في ذلك المكتبات التي أودِعت فيها مئات الآلاف من المخطوطات القديمة.

وبإمكان أي شخص لمس مشاعر الاعتزاز والفرح التي ملأت قلوب السكان المحليين مع تقدّم أعمال الإصلاح أن يفهم أن المسألة لا تقتصر إطلاقاً على ترميم مجموعة من الحجارة القديمة. فالمسألة ترتبط أيضاً بتدعيم القدرة على الصمود وتعزيز الثقة لصالح مجتمع بأكمله، وبإعادة بناء بيئة تشجع المصالحة وتمنح الناس الأمل في المستقبل. وفي حين تجسد الثقافة رابطاً يحفز الناس على التعاون من أجل بناء مستقبل أفضل، يؤدي التراث الثقافي دوراً أساسياً في تمكين المواطنين، بعد انتهاء فترة النزاع، من أن يشعروا مجدداً بما يجمع بينهم من هدف مشترك وهوية مشتركة.

ويجب الاستفادة من تجربة مالي لضمان الاعتراف الكامل بالإمكانات الهائلة التي يوفرها التراث الثقافي لتعزيز الحوار وتدعيم القدرة على الصمود. وبغية النجاح في هذا المسعى، يجب أن نشجع كل الجهات المعنية، والسلطات الوطنية، والشركاء المعنيين بالتنمية، والمهنيين العاملين في مجال الثقافة، وكذلك الجمارك والشرطة وأسواق الفن، على التعاون وعلى إعطاء الأولوية لحماية التراث الثقافي وإدارته.

وبالإضافة إلى ما تتخذه اليونسكو من تدابير عملية، توفر المنظمة منبراً دولياً للتفكير بصورة متواصلة في سبل حماية التراث الثقافي المعرض للخطر. ونظمت اليونسكو في الفترة الأخيرة عدة مناقشات بشأن هذا الموضوع، تمحورت اثنتان منها حول حروب القرن الحادي والعشرين الجديدة (فبراير)، وسبل حماية التراث الثقافي المعرض للخطر (يونيو).

المصدر: اليونسكو

Print This Post