اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا تعقد دورتها التاسعة عشرة

2012/11/22

عقدت في مقر اليونسكو في الفترة 11-12/9/2012 الدورة التاسعة عشرة للجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا (IBC) المؤلفة من 36 عضواً من الخبراء المستقلين يعينهم المدير العام لليونسكو لأربع سنوات ويجدد نصفهم كل سنتين.

وهناك أربع دول عربية مشاركة في عضوية هذه اللجنة وهي:

-  السعودية (وتنتهي عضويتها في 2013)؛

-  تونس، الكويت، عمان (تنتهي عضوية كل منها في 2015).

وقد تضمن جدول أعمال اللجنة لهذه الدورة عدداً من البنود أهمها:

مناقشة النتائج الأولية لما توصل إليه فريق العمل الخاص التابع للجنة حول مبدأ عدم التمييز وعدم الوصم وذلك بالنسبة للمواضيع التالية:

·  الوصول إلى الأدوية؛

·   البنوك البيولوجية؛

·   مرض نقص المناعة (الايدز)؛

·   التكنولوجيا النانومترية؛

·  علوم الأعصاب؛

·  زراعة الأعضاء والاتجار بها، والاتجار بالأنسجة والخلايا.

-  مناقشة مسودة التقرير بشأن الطب التقليدي وتأثيراته الأخلاقية.

وقد افتتح الدورة رئيس اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا (السيد ستيفانو سمبليسي/ ايطاليا)، ثم ألقت مساعدة المديرة العامة للعلوم الإنسانية والاجتماعية (السيدة بيلار ألفاريز لاسو) كلمة رحبت فيها بالحاضرين باسم المديرة العامة وكذلك بصفتها الأمينة العامة للجنة. وذكّرت السيدة لاسو أن المديرة العامة قد قامت بتجديد نصف أعضاء هذه اللجنة الأمر الذي يدخل دماً جديداً وأفكاراً جديدة في نقاشات اللجنة وأعمالها، ورحبت بالأعضاء الجدد وهنأتهم على وضعهم لخبراتهم ومعرفتهم في خدمة اللجنة. وتناولت مساعدة المديرة العامة مسألة الأزمة المالية التي تعاني منها المنظمة وتأثيرها على أعمال اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا، ما يحتم إيجاد موارد خارجة عن الميزانية وخفض المصاريف غير الضرورية.

وأكدت السيدة لاسو في كلمتها على الاهتمام الكبير الذي توليه اليونسكو والدول الأعضاء فيها لمسألة الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية الجديدة التي يطرحها تقدم العلوم. وبينّت أن اليونسكو واللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا تهتم منذ بداية الألفية بتحقيق أهداف الألفية للتنمية لعام 2015 التي تتضمن القضاء على الفقر وتحسين صحة الأم والطفل ومحاربة فيروس نقص المناعة (الايدز)، وتناقش كل هذه المواضيع من الزاوية الأخلاقية داخل اللجنة، وتستفيد الحكومات صانعة القرار من نتائج عمل اللجنة في هذه المجالات لتحسين نوعية حياة مواطنيها.

وأشارت إلى أن اللجنة (مع اللجنة الدولية الحكومية لأخلاقيات البيولوجيا، IGBC) تدعم تنفيذ وتحسين الأدوات المعيارية المتاحة مثل الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان وتعمل على إشراك المجتمعات العلمية والفكرية وصانعي القرار والمجتمع المدني وكل المعنيين الآخرين. وبينت أن عمل اللجنة في دورتها الحالية يندرج في هذا الإطار المتمثل في التفكير بشأن المبادئ الواردة في الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان، ولاسيما في هذه المرحلة التي تهتم بمسألتي الطب التقليدي ومبدأ عدم التمييز وعدم الوصم. واعتبرت السيدة لاسو أن الطب التقليدي مرتبط بتعقيد النظم الاجتماعية والثقافية والعلمية والدينية والسياسية عبر العالم، ويشمل هذا المجال كل نواحي التعددية البشرية وله تأثير على صحة ونوعية حياة البشر سواء في الدول النامية أو المتقدمة صناعياً.

كما اعتبرت أن مبدأ عدم التمييز وعدم الوصم يسلط الضوء على الوعود الكبيرة لتطور العلوم في المجالات الطبية والصيدلية والتكنولوجية، كما أنه يسلط الضوء على الحوار المطلوب بشأن التوزيع العادل لهذا التطور دون تمييز، حيث أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلاّ في مجتمعات شاملة لا تتسامح مع التمييز والوصم.

مبدأ عدم التمييز وعدم الوصم: تقديم النتائج الأولى لما توصل إليه فريق العمل:

قدمت في اليوم الأول للدورة على مدار جلستين ترأسهما د. جان مارتن (عضو اللجنة الوطنية لأخلاقيات الطب الإنساني/ سويسرا، وعضو اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا – IBC)، الدراسات الست المشار إليها أعلاه مع فتح الباب للنقاش بعد كل تقديم:

الحصول على الأدوية:

قدمت الموضوع السيدة د. مونيك واسونا (مساعدة مدير معهد كينيا للأبحاث الطبية، مقررة اللجنة).

وأشارت (واسونا) في تقديمها إلى أن عدم التمييز وعدم الوصم والإنصاف هي مبادئ أساسية لحقوق الإنسان ومكونات أساسية للحق في الصحة، حيث يجب أن لا يميز بحق أحد على أساس جنسه أو عرقه أو دينه أو لونه أو عمره أو أفكاره السياسية أو وضعه الاقتصادي أو ثقافته، وأكدت أن عدم (أو ضعف) الوصول إلى الأدوية هو نوع من أنواع التمييز. وبينت (واسونا) أن أكثر من ثلث سكان العالم لا يحصل بتاتاً على أدوية حيوية وأكثر من نصف هؤلاء يعيش في المناطق الفقيرة من أفريقيا وآسيا.

وتناولت (واسونا) في عرضها الأمراض الاستوائية المهملة التي تصيب الأكثر عوزاً من السكان الفقراء الذين يعيشون في المناطق الريفية ومناطق النزاعات في الدول النامية. وتصيب هذه الأمراض أكثر من مليار نسمة في أنحاء العالم لا يحصلون على أي دواء يمكن أن يعالج مرضهم. وعرضت المتحدثة قائمة بـ 17 مرضاً استوائياً مهملاً أصدرتها منظمة الصحة العالمية، وبينت أن هناك غياباً أو نقصاً كبيراً للبحوث العلمية الهادفة إلى إيجاد أدوية لمعالجة هذه الأمراض، تقع مسؤوليته على السياسات العامة والخاصة على حدّ سواء، حيث تركز الصناعات الدوائية على الأمراض العالمية وعلى الأمراض المرتبطة بنمط معين من الحياة بسبب السوق المربحة التي توفرها لها هذه الأمراض. فهذه الأمراض مهملة لأنها لا تشكل سوقاً مربحة للصناعات الدوائية. وبينت أن دراسات أجريت بين 2004 و 2006 ونشرت في 2006 تشير إلى أن 1.3 % من الأدوية الجديدة مرتبطة بالأمراض الاستوائية المهملة مع أن هذه الأخيرة تشكل 12 % من الأمراض عالمياً.

أعطت المتحدثة أمثلة عن التمييز والوصم الذين يتعرض لهما المصابون بهذه الأمراض التي تسبب في كثير من الحالات إعاقات جسدية كبيرة. وشددت المتحدثة على ضرورة التركيز على الأبحاث والتطوير في مجال هذه الأمراض وعلى إيجاد وسائل جديدة مبتكرة للتمويل. ودعت إلى تطوير اتفاقية دولية حول الأبحاث والتطوير معتبرة أن هكذا اتفاقية ستلزم الحكومات في الدول النامية والمتقدمة بردم الهوة الناتجة عن فشل السوق الدوائية في تطوير الأدوية الضرورية لمعالجة الأمراض التي تصيب الفقراء. كما أن اتفاقية من هذا النوع ستؤمن تمويلاً مناسباً مستداماً متناسباً مع الناتج المحلي الإجمالي وآليات تمويل أخرى مبتكرة تعود بالفائدة على كافة الدول، النامية منها والمتقدمة.

وتساءلت المتحدثة عن كيفية تحسين وضع الأبحاث والتطوير في الدول الفقيرة لأجل تسهيل الحصول على الأدوية الضرورية لها، وأشارت إلى أن مرونة الحكومات مكنت الدول الفقيرة من الحصول على الأدوية الخاصة بفيروس نقص المناعة (الايدز) وتساءلت عن إمكانية اتباع الصيغة ذاتها مع أمراض أخرى مثل داء السكري والسرطان. وأشارت إلى تجربة البرازيل حيث وفرت الحكومة أدوية بديلة بأسعار زهيدة متجاوزة مسألة التراخيص/ البراءات، وتساءلت إن كان بإمكان دول أخرى الاستفادة من هذه التجربة.

البنوك البيولوجية:

وقدمت التقرير السيدة إيوا بارتنك (استاذة البيولوجيا الخلوية والوراثة البشرية في جامعة فارسوفي/ بولونيا، عضو اللجنة).

وبينت في تقديمها أن البنوك البيولوجية ليست فقط مستودعاً للعينات البيولوجية، فهي أيضاً ذات هيكلية خاصة حسب الغرض منها، فهناك بنوك بيولوجية للمدى القصير تعمل على إيجاد الجينات الخاصة بأمراض معينة أو تعمل على المدى البعيد وتهدف إلى دراسة أسباب أمراض معقدة (كالبنك البيولوجي في المملكة المتحدة). وأعطت المتحدثة فكرة عن البنك البيولوجي في المملكة المتحدة الذي يعتبر متميزاً في هذا المجال ويحتوي على نصف مليون عينة.

واعتبرت أن العينات الموجودة في هذا النوع من البنوك البيولوجية يثير مشكلة صعوبة التحكم الكامل بالعينات. كما أعطت فكرة أيضاً عن (دي- كود) وهي شركة وضعت لنفسها هدفاً وهو قراءة الشفرات الجينية لكل سكان أيسلندا لأجل تطوير الأدوية، ووضع قاعدة بيانات ضمن النظام الصحي الوطني.

وأوضحت أن من بين المشاكل الأخلاقية التي تنشأ في هذا المجال مسألة القبول المتنور (المستند إلى معرفة)، ومسألة القاصرين، ومسألة حماية البيانات (وهي بالإضافة لكونها مسألة أخلاقية فهي أيضاً مسألة تقنية معقدة جداً).

ومن المسائل التي تطرح نفسها أخلاقياً في هذا المجال أيضاً، مسألة اكتشاف معلومات معينة في مجين شخص ما (genome) أثناء دراسة العينة الخاصة به غير التي كان يبحث عنها وذات أثر على صحة الشخص الحالية أو المستقبلية.

وأعطت المتحدثة مثالاً عن مسألة القبول المتنور التي ترد في الاعلانات الثلاثة الخاصة بأخلاقيات البيولوجيا، حيث أن هذا القبول لا يمكن أن يكون « متنوراً » بالكامل، إذ أن البنك البيولوجي قد يجري – بعد عشر سنوات من الحصول على العينة على سبيل المثال–  فحوصات معينة لم تكن مقررة في البداية، ويصعب على البنك، بسبب كثرة العينات، الاتصال بكل شخص على حدة لأخذ موافقته، كما يصعب عليه إبلاغ الأشخاص بما اكتشف من معلومات نتيجة فحوصات تخصهم وذات أهمية بالنسبة لصحتهم، فيتم اللجوء عادة إلى صيغة « القبول الواسع ». والإشكالية تكمن أيضاً في أنه لا يمكن ضمان كيفية استخدام العينات في المستقبل، وكذلك قيام البنوك البيولوجية ببيع بيانات في بعض الحالات لجهات وشركات أخرى. 

وأشارت المتحدثة إلى بعض الانحرافات في استخدام العينات البشرية التي قد تؤدي إلى التمييز والوصم بحق أصحاب هذه العينات، وأعطت مثالاً على قبيلة (هافاسوباي) في أريزونا التي طلبت إجراء فحوصات جينية لأفرادها لمعرفة سبب كثرة انتشار السكري بينهم، فدرس الباحثون جوانب أخرى دون استشارة المعنيين، وقد اعتبر لاحقاً أن نتائج هذه البحوث تسببت في وصم هذه القبيلة.

كما أوضحت المتحدثة أن في الماضي غير البعيد هناك حالات لاستخدام العينات البيولوجية لأشخاص لغير الأغراض المحددة في البداية، خسر فيها المعنيون عندما لجأوا إلى القضاء، ولكنها اعتبرت أن الأمور بدأت تتغير منذ 2003-2004 حيث تكونت مجموعات تدافع عن حقوق ومصالح المرضى.

وتناولت المتحدثة مسألة حماية البيانات وأكدت على عدة مسائل منها ضرورة ضبط عملية الوصول إلى المعلومات، ومسألة إمكانية تحديد هوية صاحب العينة من المعلومات الجينية التي تؤثر على سرية الهوية، ومسألة ما يمكن عمله بالعينات في حال أغلق البنك البيولوجي أبوابه، حيث لا توجد حالياً ضمانات في هذه المجالات.

وحول ابلاغ البنك البيولوجي صاحب العينة بأي مؤشرات تتعلق بصحته في حالة وجودها، ورغم أن الحالة السائدة لا تلزم البنك بالقيام بهذا الإعلام، إلا أنه بشكل متزايد بدأ الأشخاص الذين يعطون العينات يطلبون أن يتم اعلامهم في مثل هذه الحالات.

التكنولوجيا النانومترية:

قدم الموضوع السيد أ. عبد الله دار (أستاذ علوم الصحة العامة في جامعة تورونتو/ كندا، المسؤول الرئيسي للعلوم والأخلاقيات، التحديات الكبرى/ كندا، عضو اللجنة).

وبدأ المتحدث بتعريف التكنولوجيا النانومترية التي تتناول دراسة، وتصميم، وخلق، وتركيب، والتعامل مع، وتطبيق المواد والأجهزة والنظم الوظيفية من خلال التحكم بالمادة بالمقياس النانومتري (جزء من المليار من السنتمتر)، حيث يكون للمواد صفات مختلفة في المقياس النانومتري عن صفاتها في المقياس المتري، وهذا ما يتم الاستفادة منه. واعتبر أن هذا المجال واسع جداً وغير محدد، مما يثير بعض الصعوبات القانونية والتقنينية. ومن بين المجالات التي لها تطبيقات في التكنولوجيا النانومترية:

· خزن الطاقة؛

· الزراعة؛

· معالجة المياه؛

· تشخيص الأمراض؛

· الأدوية؛

· تكنولوجيا الفضاء.

وبخصوص القضايا المطروحة في المجالات الأخلاقية والقانونية والاجتماعية عند التعامل مع أخلاقيات التكنولوجيا النانومترية التي لبعضها علاقة بالتمييز والوصم، ذكر ما يلي:

-   الانصاف والعدالة؛

-   الخصوصية وسرية المعلومات؛

-   المشاركة العامة؛

-  الدفاع والأمن؛

-  القوانين؛

-  الملكية الفكرية؛

-  الصحة والبيئة.

ففي مجال الانصاف والعدالة تم تناول محاور مثل الفجوة النانومترية بين الدول الغنية والدول الفقيرة التي تضيق تدريجياً حالياً، وتركيز الثروة، والنقص في التدريب والتعليم المتقدم في المجال النانومتري. وأشار المتحدث إلى أنه في مجال الخصوصية وسرية المعلومات ستكون عملية الحصول على المعلومات الشخصية والسرية بدون دراية المعنيين وعمليات التنصت ذات أبعاد أكبر وأسهل في عصر التكنولوجيا النانومترية وسيرد احتمال الحديث عن « مراقبة دائمة » للأشخاص حيث ستساعد هذه التكنولوجيا على تصغير الأجهزة إلى حد كبير، وعبر المتحدث عن اعتقاده بأن هذه المحاذير حقيقية وأن كانت غير محددة بالتكنولوجيا النانومترية.

كما اعتبر أن من بين المحاذير الحقيقية لهذه التكنولوجيا على صحة الإنسان والكائنات الحية والبيئة، خطر الجسيمات الصغيرة، حيث لا يعرف بعد مدى الضرر الذي تلحقه بالصحة ولا كيفية التخلص منها وإزالتها من جسم الإنسان أو من الطبيعة. واعتبر أن هذا المجال يجب أن يبقى تحت المراقبة، كما يتوجب على الوكالات التنظيمية/ التقنينية الدولية إيلاءه كل الاهتمام المطلوب.

وفي مجال القوانين اعتبر المتحدث أنه نظراً لتعدد المجالات والاختصاصات التي تتعامل مع التكنولوجيا النانومترية (الصحة، الهندسة، البيئة…) فعند طلب رأي حول الضوابط المعتمدة من جهة حكومية يصعب عليها توجيه طالب الرأي إلى الجهة الحكومية أو القسم المسؤول عن هذه الضوابط. واعتبر أن المطلوب هو تعاريف تشغيلية موحدة، ونظم ضبط وتنظيم شفافة، مرنة وفعالة، وتعاون على المستوى الدولي لتقاسم البيانات الخاصة بالسميّة والمسائل الصحية. واعتبر أن التعامل مع مبدأ الحذر يجب إلاّ يبالغ فيه حتى لا يعاق تقدم العلوم.

واعتبر المتحدث أن الملكية الفكرية مسألة هامة في كل تكنولوجيا جديدة، ولاحظ أن الغالبية العظمى من براءات الاختراع حالياً في هذا المجال موجودة في الدول الغنية.

أما في مجال الدفاع فرأى المتحدث أن التكنولوجيا النانومترية يمكن أن تستخدم في حماية أفضل للجنود، وفي تطوير الأسلحة البالستية، وتخفيض وزن الأدوات المحمولة، وتطوير أساليب جديدة لكشف ومعالجة وجود المواد السامة في البيئة وغيرها من المجالات، واعتبر أن الأبحاث والدراسات جارية على قدم وساق في كل هذه المجالات وتخصص لذلك مبالغ كبيرة. وأشار إلى أن الدول ستحاول أكثر فأكثر تحسين/ تعزيز جنودها لجعلهم أقوى باستخدام التقنيات النانومترية والبيولوجية والمعلوماتية مما قد يؤدي إلى تمييز ووصم للذين يتم « تحسينهم » وللذين لا يتم « تحسينهم ». والتفكير بمسألة « تحسين » الإنسان لا يتم تداوله في المجال الدفاعي/ العسكري فقط، فهناك من يفكر بجعل الإنسان يمتلك قدرات محسنة في الركض والتفكير، واعتبر المتحدث أن هذا المجال الذي يجمع عدة تقنيات أصبح مهماً وباتت النتائج الحالية والمستقبلية حقيقية مما يثير مسألة من هو الإنسان الطبيعي « وما هي الإعاقة » وقضايا شبيهة ذات علاقة بالأخلاقيات.

واعتبر المتحدث أنه آن الأوان للتركيز على مسألة « التزام الجمهور » حيث أن هذه التقنيات تقترب أكثر فأكثر من التحقق.

علوم الأعصاب:

قدم الموضوع السيد أ. جوناثان مورينو (أستاذ الأخلاقيات الطبية وسياسة الصحة، وتاريخ واجتماعيات العلوم، والفلسفة في جامعة بنسيلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، عضو اللجنة).

واعتبر (السيد مورينو) أن أخلاقيات علوم الأعصاب ليست بالإلحاح ذاته التي تفرضه مجالات أخرى مثل الوصول إلى الأدوية أو فيروس نقص المناعة أو غيرها، لأن التقدم المتوقع فيها مستقبلي أكثر منه على المدى القريب، واعتبر أن ذلك أمر ايجابي حيث يعطي ذلك العالم وقتاً لاستباق الأمور ودراسة الإشكاليات الأخلاقية التي قد يسببها التقدم المستقبلي في علوم الأعصاب، واعتبر أن آثار هذا التقدم لن تكون على مستوى التمييز والوصم فحسب بل ستؤثر على التوازن الجغرافي – السياسي.

وبيّن المتحدث أن علوم الأعصاب قد تكون المجال العلمي الذي ينمو بالوتيرة الأسرع، وأنه لا توجد أبحاث وكتابات تذكر عن مسألة التمييز والوصم في علوم الأعصاب.

وتحدث (السيد مورينو) عن تقنيتين في مجال علوم الأعصاب:

-   التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي؛

-   التحفيز العصبي (إعادة استقطاب الأعصاب على جمجمة مغلقة)

واعتبر أنه يتوجب طرح سؤالين بخصوص مبدأ عدم التمييز وعدم الوصم في مجال علوم الأعصاب هما:

·   كيف يمكن لعلوم الأعصاب أن تعزز أو تزيد من مخاطر التمييز والوصم؟

·  كيف يمكن لعلوم الأعصاب أن تساعد على فهم وربما التخفيف من آثار التمييز والوصم؟

واعتبر (السيد مورينو) أن مسألة إسهام علوم الأعصاب في تعزيز أو زيادة مخاطر التمييز والوصم يمكن وضعها في سياق موازي للمخاطر المرتبطة بالمعلومات الطبية الشخصية للأفراد عموماً.

فكما أن المعلومات الجينية يمكن تفسيرها بصورة مبسطة خاطئة للوصول إلى استنتاجات غير صحيحة تؤدي إلى التمييز والوصم، كذلك الأمر بالنسبة لعلوم الأعصاب حين يساء تفسير البيانات الناتجة عن التصوير العصبي للدماغ. ولكن المخاطر الاجتماعية المرتبطة بعلوم الأعصاب، حسب رأي (السيد مورينو)، أقل مقارنة بالمشاكل المرتبطة بعلوم الجينات لأن فحوصات (أو تحليلات) الأخيرة أسهل وأقل كلفة من فحوصات التصوير العصبي في الوقت الحاضر على الأقل.

فتسرب الملف الطبي الخاص بتصوير الدماغ لشخص ما يمكن أن يسبب ضرراً معنوياً للشخص المعني، كما أن أحد المصادر المرتبطة بالتمييز والوصم في مجال علوم الأعصاب هو مسألة الانتماء لعنصر أو أثنية معنية، حيث تعمل دراسات تربط بين العنصر وحجم الدماغ والذكاء على إثارة هذا النقاش الذي يؤدي إلى التمييز والوصم.

وحول مسألة إمكانية إسهام علوم الأعصاب في فهم وربما التخفيف من التمييز والوصم، فيرى (السيد مورينو)، أن ذلك سيكون ممكناً إذا كانت شخصية الفرد مترجمة في نشاط الدماغ والجهاز العصبي المركزي، وبين أن هناك مؤشرات تفيد بذلك وإن كان هناك خلاف على دقة المعلومات المستقاة من التصوير. كما أن هناك خلاف حول مدى تأثير تغيير الهيكلية العصبية لشخص ما، بشكل أكيد وموثوق على تصرفاته وبشكل خاص خارج المختبر.

زراعة الأعضاء والاتجار بها، والاتجار بالأنسجة والخلايا

قدم الموضوع السيد أ. علي رضا باغري (أستاذ مساعد في الطب وأخلاقيات الطب، كلية الطب، جامعة طهران للعلوم الطبية/ إيران، نائب رئيس اللجنة).

وتناول المتحدث الوضع الحالي في مجال زراعة الأعضاء حيث أن زيادة الطلب على الأعضاء نسبة إلى العرض، قد أدى إلى التعامل مع الأعضاء كسلع تجارية على الصعيد العالمي، والى نشوء سياحة زراعة الأعضاء المربحة للبعض ولاسيما للتنظيمات غير القانونية والوسطاء الذين استغلوا الوضع القائم لتحقيق أرباح على حساب الفقراء.

وتناول المتحدث مسألة تعرض مانح العضو (الذي غالباً ما يكون فقيراً تبرع بعضو من جسمه لتحسين معيشة عائلته) إلى التمييز والوصم، وبين أن حتى المتلقي يتعرض للتمييز والوصم بسبب التوزيع غير العادل للأعضاء. وأكد المتحدث أن الاتجار بالأعضاء وسياحة زراعة الأعضاء منافيان لمبادئ المساواة والعدالة واحترام كرامة الإنسان، ويصيبان المجموعات السكانية الفقيرة والمهمشة.

وبين المتحدث أن هناك ثلاث مبادرات رئيسية من حيث النصوص المنظمة لعملية زراعة الأعضاء وهي:

-      المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية حول زراعة الخلايا والأنسجة والأعضاء البشرية (2010).

-      إعلان اسطنبول ضد الاتجار بالأعضاء وسياحة زراعة الأعضاء (2008)؛

-      توصيات فريق العمل الآسيوي بشأن الاتجار بالأعضاء (2007).

وبين المتحدث أن أي من هذه النصوص لم يتناول موضوع التمييز والوصم الذين يلحقان بالمانحين للأعضاء أو المتلقين لها الذين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة. واقترح أن يتم في المستقبل تبني بعض المبادئ بهذا الشأن منها:

·   اعتبار التبرع عمل بطولي تعترف به الدولة ومنظمات المجتمع المدني؛

·  عدم بيع الأعضاء ولكن تسديد التكاليف الجانبية لعملية التبرع للمانح.

·  جعل منح الأعضاء وتلقيها في إطار البلد الواحد (الجنسية الواحدة).

·  اعطاء المانح للعضو أولوية في تلقي عضو بدوره إذا ساءت حالته الصحية في المستقبل.

فيروس نقص المناعة (الايدز):

قدم الموضوع السيد أ. فولين غارافا (مدير كرسي اليونسكو في أخلاقيات البيولوجيا في جامعة برازيليا/ البرازيل، وعضو اللجنة).

وبيّن المتحدث في تقديمه أن مسألة التمييز والوصم تعتبر إحدى المشاكل الهامة في موضوع مرض فيروس نقص المناعة (الايدز) ولاسيما حين يتعلق الأمر بالحيلولة دون الوصول إلى العلاج والتشخيص والمضادات للفيروسات القهقرية. وأشار إلى أن الأمم المتحدة تعتبر التمييز عقبة في طريق توفير رعاية جيدة للايدز لأن تهميش السكان الأكثر ضعفاً يعيق الوصول إلى الوقاية والعلاج لكل المرضى.

الطب التقليدي وتأثيراته الأخلاقية: مناقشة التقرير:

وقد ترأس الجلسة المخصصة لهذا البند السيد أ. أنديس بيرالتا- كورنيل (أستاذ أخلاقيات البيولوجيا، كلية الطب في جامعة جمهورية الدومنيك، عضو اللجنة)

وبين رئيس الجلسة أن اللجنة ضمنت موضوع الطب التقليدي في برنامج عملها للفترة: 2010-2011 وأنها شكلت فريق عمل لدراسة التأثيرات الأخلاقية للممارسات المختلفة المرتبطة بهذا النوع من الطب واستعانت بأطراف داخلية وخارجية في عملية التشاور.

فقد تم تبادل الآراء مع الدول الأعضاء في اللجنة في 2010 و 2011 في الدورة المشتركة للجنتين الحكومية والدولية الحكومية لأخلاقيات البيولوجيا، وفي الدورة السابعة للجنة الدولية الحكومية. كما دعي خبراء من قطاعي العلوم والثقافة في اليونسكو في الدورة السابعة عشرة للجنة الدولية في 2010 للإدلاء بآرائهم. وعلى الصعيد الخارجي طلب من أكثر من معهد متخصص للأبحاث من كافة أنحاء العالم الإجابة على أسئلة تهدف إلى جمع معلومات عن الممارسات التقليدية وعن الإطار المؤسسي والنظام القانوني الخاصين بها. وبين الرئيس أن على هذا الأساس أعد مشروع تقرير ناقشه أعضاء اللجنة الدولية في بداية 2012 ويعرض على اللجنة في دورتها الحالية التاسعة عشرة.

وقدم التقرير الذي يحمل عنوان الطب التقليدي وتأثيراته الأخلاقية « السيد أ. ستيفانو سيمبليسي » (أستاذ الأخلاقيات الاجتماعية في قسم الدراسات حول الشركة والحكومة والفلسفة في جامعة روما/ ايطاليا، رئيس اللجنة).

وأشار السيد سيمبليسي إلى أن التقرير هو مشروع قابل للتحسين، واعتبر أن من مهام اللجنة والتقرير دعم دور أخلاقيات البيولوجيا لأجل دعم وتقوية حقوق الإنسان ضمن إطار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشير إلى أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمن.

واعتبر أن الطب التقليدي هو على مفترق طرق بين العلوم والثقافة، المجالين الذين يشكلان مع التربية اختصاصات اليونسكو الرئيسية، وأن الصحة أساسية للحياة حسب الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان، وبالتالي لحقوق الإنسان نفسها. وأشار المتحدث أن التقرير حاول إيجاد بعض مسارات العمل وحدد ستة مسارات هي:

-         اعتبار الطب التقليدي طباً؛

-         التكامل من خلال التنظيم ووضع الضوابط؛

-         اعتماد معايير مرجعية للتعليم والتدريب؛

-         اعتبار الطب التقليدي خياراً وليس قدراً مفروضاً؛

-         الحماية من الاستغلال؛

-         مفهوم جماعي للصحة.

وخلص التقرير إلى أن الطب التقليدي يمكن أن يشكل مصدرا ثميناً بشرط توضيح موقعه بالنسبة للطب العصري. وأكد على أن جعل الجماعات السكانية تتمتع باستقلالية سيساعد الأفراد على اختيار الأفضل من بين العلاجات التي يطرحها نظاما الطب التقليدي والطب العصري وأكد على أهمية أن يكون الخيار متاحاً دوماً.

واعترف التقرير بأن الطب التقليدي ساهم بأساليب مختلفة في إيجاد ممارسات حسنة، وأنه من خلال معارف متراكمة بشأن العلاج بالنباتات مكّن من معالجة الكثير من الأمراض وفتح الطريق لاكتشاف أدوية جديدة. وشدد التقرير على ضرورة أن لا ينكر الطب العصري البعد الشامل للرفاه من منظور الطب التقليدي وارتباطه ببعض القيم والتقاليد دون أن يكون ذلك مبرراً لمنع بعض المجموعات السكانية من الوصول إلى الطب الحديث وتوفيره لها. ودعا التقرير الحكومات إلى اعتماد تشريعات مناسبة بهدف تقييم واعتماد ممارسات وأدوية تقليدية، والتنسيق بهدف تعزيز القواعد المعتمدة على الصعيد الدولي. ودعا التقرير الحكومات والأكاديميين إلى إعداد واعتماد وسائل تربوية مناسبة لتدريس الممارسات التقليدية.

وقد تناول الحديث عدد من أعضاء اللجنة والمراقبين للتعليق على التقرير وطرحوا بعض الأفكار والملاحظات أهمها:

-  أيد العديد من أعضاء اللجنة تأكيد التقرير على اعطاء الخيار للشعوب الأصلية باستخدام الطب التقليدي احتراماً لثقافاتهم مع التأكيد على حقهم في الوقت ذاته في الحصول على الطب العصري والرعاية الصحية العصرية.

-  الحق في الحصول على الطب العصري والصحة لا ينفي احترام الثقافة والتراث.

-  ان النتائج المفيدة لبعض العقارات الطبيعية لا يعني أنها لا تشكل خطراً على حياة الناس وصحتهم في حالات معينة.

-   اعترض مندوب على استخدام تعبير « الطب الغربي » في التقرير حيث أنه يحد من عالمية الطب ويبعث على سوء الفهم، واعتبر أن تعبير « الطب الحديث » يعبر بشكل أفضل عن الواقع.

-   تأييد مبدأ اعطاء الخيار للشعوب الأصلية ولكن انطلاقاً من المعرفة والإطلاع.

- حول مبدأ حرية الاختيار تم الاعتراف بأن المساواة في الواقع وعلى الأرض غير موجودة دائماً.

وفي ختام الدورة التاسعة عشرة للجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا (IBC) ألقت مساعدة المديرة العامة للعلوم الإنسانية والاجتماعية كلمة شكرت فيها أعضاء اللجنة على عملهم المثمر وأكدت على أهمية موضوع أخلاقيات البيولوجيا والجانب المرتبط بحقوق الإنسان فيه، ولاسيما المواضيع الستة الأساسية التي غطتها هذه الدورة. واعتبرت أن العمل مستمر في هذه الملفات من قبل اللجنة حتى الوصول إلى النتائج المطلوبة. واعتبرت أن موضوع الطب التقليدي وتأثيراته الأخلاقية وما أثاره من نقاش يعكس تعددية الآراء في هذا المجال المعقد ورغبة اللجنة في التوصل إلى إطار أخلاقي لمجال يؤثر على مجاميع سكانية كثيرة في مختلف أنحاء العالم تعتمد في رعايتها الصحية على هذا النوع من الطب.

وأشارت مساعدة المديرة العامة إلى أن اليونسكو حالياً في تقاطع مهم في طريقها وهي تعمل على وضع استراتيجيتها متوسطة الأجل للسنوات الثماني المقبلة في ظل مصاعب مالية كبيرة. واعتبرت أنه من المهم اليوم اظهار أن عمل هذه اللجنة في غاية الأهمية بالنسبة للذين هم في أمس الحاجة إليه من سكان العالم، وأن ما دار من نقاش داخل اللجنة يترجم إلى أفعال وإجراءات على الأرض في مجال مبادئ أخلاقيات البيولوجيا.

واعتبرت مساعدة المديرة العامة أن مسؤولية اللجنة كبيرة في إعداد قواعد ومبادئ أخلاقية والترويج لها ومساعدة اليونسكو على إدخال الممارسات الأخلاقية في مؤسسات العلوم والتكنولوجيا وكذلك في النظم القانونية والتشريعية. وأعلن بذلك اختتام الدورة التاسعة عشرة للجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا.

 

المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو

Print This Post