التصنيف والاعتماد في التعليم العالي

2013/07/2

تؤثر التصنيفات الدولية للجامعات في السياسات العامة وفي خيارات الطلاب وأوليائهم. وبغض النظر عمّا إذا كان هذا الأمر صحيحا أو خاطئا، فإنّ التصنيفات تُعتبر قياسا للنوعية وتولّد بالتالي منافسة حادّة بين الجامعات في جميع أنحاء العالم. لكن هل هذه التصنيفات مسيئة أكثر مما هي مفيدة؟

تناقش منشورة جديدة صادرة عن اليونسكو بعنوان التصنيفات والمساءلة في مجال التعليم العالي: الاستخدام وسوء الاستخدام، ميزات وعيوب تصنيف الجامعات. وتجمع بين الأشخاص الذين هم وراء تصنيف الجامعات ونقّادهم لمناقشة استخدام وسوء استخدام التصنيفات القائمة حاليا. وتتمثل في هذه المنشورة خمس قارات وتهدف إلى مساعدة القرّاء النهائيين لتصنيفات الجامعات وجداول ترتيبها- أكانوا طلابا، أو أولياء طلاب، أو حكومات، أو قادة مؤسسيين-  في أن يصبحوا مستخدمين أفضل وأكثر إدراكا لهذه الأدوات. وتوفّر المنشورة لمحة عامة شاملة عن التفكير الجاري حاليا بشأن هذا الموضوع، وتحدد نهوجا بديلة وأدوات تكميلية لعصر جديد من الاستخدام الشفاف والمطّلع لجداول تصنيف مؤسسات التعليم العالي.

وتركّز « التصنيفات العالمية للجامعات » التي قامت بنشرها ثلاثة من أبرز « دور التصنيف » على 1 في المائة فقط من جامعات العالم التي يفوق عددها 01700 جامعة. وعلى الرغم من التنّوع الذي تتّسم به على عدد كبير من الأصعدة، فإن الـ 200  مؤسسة التى احتلت المراكز الأولى هي مؤسسات قديمة العهد (200 عام وما فوق) تركّز بشكل أساسي على البحث العلمي، مع حوالى 25000 طالب، و2500 عضو هيئة تدريس؛ وميزانيات سنوية تفوق ملياري دولار من دولارات الولايات المتحدة الأمريكية. والمؤلّفون الذين ساهموا في وضع المنشورة من منظمات تصنيف مرموقة يفتتحون المناقشة بشأن التصنيفات والمساءلة موفّرين نظرة مفصّلة حول المقاربات المنهجية التي يستخدمونها، ومواطن قوّتها وضعفها، وتطوّرها على مرّ الزمن. ويرى نيان كاي ليو من جامعة شانغهاي جياو تونغ، الذي ساعد في إطلاق أولى التصنيفات العالمية للجامعات على الإطلاق في عام 2003، أنّه يتعين ألا تشكل التصنيفات مصدر المعلومات الوحيد الذي يوجّه القرارات المتصلة بنوعية الجامعات وألا تُستخدم على هذا النحو. لكنّ فيل باتي من تصنيف التايمز للتعليم العالي وبن ساوتر من تصنيف كيو إس البريطاني للجامعات العالمية، يريان أن لا شك في أنّ التصنيفات قد « وُجِدَت لتبقى »، وأنّها يمكن أن تساعد في تحسين الشفافية والمساءلة في مجال التعليم العالي، في إطار السوق العالمية للتعليم العالي.

وعلى التصنيفات أن تتطوّر لتوفّر معلومات تكون أكثر مواءمة لاحتياجات الجامعات، والطلاب وواضعي السياسات، وتتماشى مع السياقات المحلية وتسهم في تنمية أنظمة التعليم العالي الرفيعة المستوى، بدلا من أن تسهم في تنمية عدد محدود من المؤسسات الرفيعة المستوى. ويكشف المؤلّفون عن عدد كبير من العيوب التي تشوب أنظمة التصنيف السائدة، وتتمثل إحدى هذه العيوب في التركيز المفرط على زيادة مخرجات البحث على حساب التأثير الاجتماعي في المجتمعات المحلية. وتشكل الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك المثال الرئيسي لـ »الجامعة الرامية إلى بناء الدولة »؛ وتأوي الجامعة النظام الوطني لرصد الاهتزازات، والمرصد الفلكي الوطني، ومكتبة وطنية ومستودعا للدوريات، فضلا عن أوركسترا سمفونية مرموقة. وإذا كانت نسبة 63 في المائة من الجامعات قد بنت قراراتها الاستراتيجية على تحسين تصنيفاتها، كما تظهر إحدى الدراسات، فهل هذا « السباق نحو القمة » سيحول دون التنوّع والابتكار على صعيد النماذج الجامعية؟

يرى البعض أنّ النهج المهيمن يفتقر إلى التنوّع. ويرى إيمانول أوردوريكا وماريون لويد من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك أنّ البحث باللغة الإسبانية مغفل إغفالا تاما لصالح اللغة الإنكليزية- وهو واقع تميل منظمات التصنيف إلى التقليل من أهميته. « فحتى في جامعات بحجم وأهمية الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك وجامعـة ساو باولو، لا تزال المقالات المنشورة بالإنكليزية تمثّل الحد الأدنى من البحوث المُنتَجة، مع العلم بأنّ هذه الجامعات تحوي أغلبية المقالات المسجّلة في قاعدتي بيانات ISI و Scopus »، وهما قاعدتا البيانات البيبليوغرافيتان الرئيسيتان المستخدمتان في التصنيفات. وإضافة إلى ذلك، فإن إعطاء الأولية للبحوث العلمية في أنظمة التصنيف الحالية يقلل من شأن العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، وهي مجالات تتمتع فيها أمريكا اللاتينية بتقليد مرموق وطويل الأمد.

وفي أفريقيا، يتطوّر التعليم العالي بسرعة فائقة، إلا أنّ « الوصول المتزايد لم يترافق مع تحسين في النوعية »، وفق ما يشرح بيتر أوكبوكولا الذي يرأس الشبكة العالمية للجامعات في أفريقيا. والآلية الأفريقية لتحديد النوعية وُضِعَت بوصفها بديلا إقليميا للتصنيفات العالمية. فبدلا من مقارنة أداء إحدى الجامعات مع جامعة أخرى، تقوم هذه الآلية بتقييم أداء جامعة ما بالاستناد إلى « مجموعة من المعايير التي تحدد السياق الفريد لتوفير التعليم العالي في هذه القارة وتحدياته ».

فهل من شأن وضع أسس لمقارنة الأداء على صعيد تحقيق النتائج التعليمية، بدلا من تصنيف المؤسسات، أن يشكل نهجا أكثر فائدة وفعالية؟ يستكشف البنك الدولي هذه الإمكانية من خلال تصميم نظام تقييم جديد يدعم عوامل موائمة للمناطق النامية، ويسمح بالتالي بإجراء مقارنات أكثر موثوقية في ما بينها.

وفي خضم هذا الهوس بتصنيف الجامعات، قد يجرى التغاضي بسهولة عما يمكن للطلاب أن يقوموا به فعليا عند تخرّجهم بالمعرفة التي يكتسبونها. فما يبحث عنه عدد كبير من أولياء الطلاب والطلاب عند اختيار الجامعات إنّما يتمثل في إمكانيات إيجاد فرص عمل بعد التخرّج. ومن وجهة نظر منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، يدعم كل من ريتشارد ييلاند ورودريغو كاستيانييدا فايي التركيز على نتائج التعلّم، إذ يعتقدان أنّ « التصنيفات غالبا ما تُستخدم في أيامنا هذه كعناصر تمثل بها – أو كبراهين على – نوعية التعليم والتعلّم في مؤسسات التعليم العالي في جميع أنحاء العالم ». واختبار قدرات المتخرّجين الجدد على صعيد المهارات العامة، مثل مهارات التواصل الكتابي والتفكير التحليلي، فضلا عن المعرفة الفنية، في مجالات مثل الاقتصاد والهندسة، يمكن أن يوفر معلومات أفضل حول كيف أنّ التعليم قد زوّدهم تزويدا جيدا بالمهارات الضرورية التي تتيح لهم أن يعيشوا الحياة التي يختارونها ويشاركوا في اقتصاد المعرفة الحالي.

المصدر: اليونسكو

Print This Post