الأمن والسلامة للصحافيين أينما كانوا

2012/12/6

انعقد الاجتماع الثاني بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب في فيينا (النمسا)، يومي 22 و23 نوفمبر. ويندرج هذا الاجتماع، المشترك بين وكالات الأمم المتحدة، في إطار الجهود الدولية الرامية إلى وقف هذه الاعتداءات التي تقوض الحق الأساسي في حرية التعبير في أجزاء كثيرة من العالم وتحد من قدرة المواطنين على تلقي كل المعلومات المستقلة التي يحق لهم الانتفاع بها.

  سلامة الصحفيين: لماذا؟ قُتل أكثر من 600 صحفي وإعلامي في السنوات العشر الماضية، مما يعني أن كل أسبوع في المتوسط يلقى صحفي مصرعه بسبب ما ينقله من أخبار ومعلومات إلى الجمهور العام. وسعياً إلى وقف العنف ضد الصحفيين ومكافحة الإفلات من العقاب، قام مجلس الرؤساء التنفيذيين في منظومة الأمم المتحدة المعني بالتنسيق، في أبريل 2012، بخطوة غير مسبوقة فاعتمد خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، وذلك في إطار عملية تمت تحت رعاية اليونسكو.

 وبغية المضي قدماً في تنفيذ خطة العمل وإعداد استراتيجيات ملموسة، دعت اليونسكو إلى عقد اجتماع ثانٍ مشترك بين وكالات الأمم المتحدة في فيينا، بالنمسا، في يومي 22 و23 نوفمبر. وشارك في استضافة هذا الاجتماع كل من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ويذكر أن يوم 23 نوفمبر هو اليوم الدولي ضد الإفلات من العقاب، الذي أعلنته اللجنة الدولية لحرية التعبير.  

لماذا يسعى البعض إلى إسكات الصحفيين؟

في الأشهر التسعة الأولى من عام 2012، أدانت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، مقتل 95 صحفياً وإعلامياً ومدوّناً، مما يمثل ارتفاعاً هائلاً مقارنةً بعدد عمليات القتل التي حدثت في السنوات الماضية. وإلى جانب ذلك، ذكرت المديرة العامة في تقريرها بشأن سلامة الصحفيين وخطورة مسألة الإفلات من العقاب أن عدداً أكبر بكثير من الإعلاميين يتعرضون لأشكال أخرى من الاعتداءات فمنهم من يُصاب بجروح، ومنهم من يتعرض للاغتصاب أو الخطف أو المضايقات أو التخويف أو الاعتقال غير القانوني. وتم التشديد في التقرير عينه على مشكلة الإفلات من العقاب التي تتمثل في عدم إحالة مرتكبي الجرائم إلى القضاء. وما يثير القلق هو أن 5 في المائة فقط من جميع الحالات الوارد ذكرها في تقرير المديرة العامة أفضت إلى إدانة مرتكبي الجرائم. ويكتسي الكثير من القضايا التي يغطيها الصحفيون أهمية كبيرة وتُعد الحروب أكثر هذه القضايا خطورةً. ولكن السبب وراء مقتل معظم الصحفيين لا يرتبط بتغطيتهم لنزاعات مسلحة، بل يرتبط عادةً بمقالات يعدونها عن قضايا محلية في المدن التي يعيشون ويعملون فيها، وتتعلق خاصةً بالفساد وغير ذلك من الأنشطة غير القانونية مثل الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات. وجاء في تقرير عام 2012 الذي أعدته مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان، مارغريت سيكاجيا، أن الأشخاص المعنيين بالتحقيق في قضايا حقوق الإنسان يتعرضون أيضاً لتهديدات متزايدة. وثمة معلومات تشير إلى أن حتى الصحفيين الذين يعدون تقارير بشأن القضايا البيئية يتعرضون أحياناً لخطر الموت.  

 ويعني ذلك أن المسائل التي يتعرض الصحفيون بسببها لشتى أنواع الاعتداءات هي المسائل التي يحتاج كل مواطن إلى معرفتها. وأفاد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في أحد تقاريره بأن الجريمة تؤجج ظاهرة الفساد، وتتغلغل في أوساط الأعمال والسياسة، وتعرقل عملية التنمية، كما تقوض الحكم الرشيد عن طريق مد الأشخاص الخارجين عن القانون بالنفوذ. ومن الجدير بالذكر أن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، فرانك لا رو، ركّز على هذا الواقع في تقريره لعام 2012، موضحاً أن الصحفيين المحليين ما زالوا يواجهون تحديات يومية في الأوضاع التي لا تُعتبر نزاعات مسلحة ولكنها تنطوي على أعمال عنف وعلى حالات من الفوضى والقمع.  

 ومن غير الطبيعي أن توجَّه تهديدات بالقتل إلى أفراد أسرة صحفي طُلب منه التحقيق في قضية فساد ترتبط بسياسي من أصحاب النفوذ أو بعصابة تتجر بالمخدرات. والأسوأ من ذلك هو أن الكثير من هذه التهديدات لا تقف عند حد التخويف بل تتجاوزه فتؤدي إلى تصفية حامل الأخبار والمعلومات، مما يمثل أكثر الوسائل وحشيةً لحرمان الجمهور العام من حقه في المعرفة. فكل فعل يهدف إلى إسكات الصحفيين هو انتهاك لحق الإنسان في حرية التعبير الذي يُعتبر حقاً أساسياً يتيح بناء الديمقراطيات القوية ويضمن التعليم والصحة ويكفل توافر بيئة أنظف وقطاع أعمال يتسم بالشفافية.  

بإمكانكم أيضاً أن تساعدوا

قامت اليونسكو بتعبئة الموارد البشرية والمالية اللازمة لدعم الجهود الرامية إلى توفير دورات تدريبية عن موضوع السلامة للصحفيين العاملين في شتى أنحاء العالم، كما تعاونت المنظمة مع العديد من المنظمات غير الحكومية لإجراء بحوث وإعداد مطبوعات تتعلق بمسألة السلامة. وأكدت اليونسكو أهمية السلامة في العديد من الفعاليات الخاصة باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يُحتفل به في 3 مايو، وذلك عن طريق التشديد على أن عمليات قتل الصحفيين لا تقتصر آثارها على ما تولده من مشاعر الألم والأسى، فعمليات القتل هذه تؤذي المجتمع وكذلك العالم برمته.  

 وتقوم اليونسكو بهذه الخطوات انطلاقاً من قناعتها بأن الحق في تلقي المعلومات والتعبير عن الرأي يكتسي أهمية مركزية في حياة كل إنسان. وتُعد اليونسكو المنظمة الوحيدة من بين جميع وكالات الأمم المتحدة التي أُسندت إليها مسؤولية تعزيز الحق في حرية التعبير، وحرية الصحافة وحرية تداول المعلومات الملازمتين لهذا الحق، بالنيابة عن الدول الأعضاء فيها البالغ عددها 195 دولة عضواً. ولكن ثمة حدوداً لما يمكن لليونسكو أن تقوم به بمفردها. ولحسن الحظ، تسهم عدة جهات فاعلة تابعة للأمم المتحدة في الجهود المبذولة لضمان سلامة الصحفيين. وقد بدأت أجهزة مختلفة بسلك المسار الذي تم تحديده في خطة عمل الأمم المتحدة. ومع أن هذه الخطة ليست بمثابة عصا سحرية، فإنها تدل على أفضل جوانب المجتمع الدولي كما تساعد على تعزيز الوعي وزيادة الضغوط من أجل وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب.

ولكن تأمين سلامة الصحفيين هو عملية تستلزم الدعم والمساعدة من الجميع، بما في ذلك الإعلاميون، ومنظمات المجتمع المدني، والسلطات الوطنية. فتضافر الجهود هو السبيل لإحداث أثر ملموس على أرض الواقع

المصدر: اليونسكو

Print This Post