ملامح الاستراتيجية المقترحة لخدمات المنظومة البيئية الجبلية

2014/02/12

اقترحت الجهة المنظمة لورشة العمل التي عُقدت باليونسكو في الفترة: 23ـ24 يناير 2014، حول تأثيرات تغير المناخ على المناطق الجبلية وهي: (برنامج اليونسكو الدولي للمياه) على المشاركين في تلك الورشة مشروع استراتيجية خدمات للمنظومة البيئية الجبلية وتغير المناخ. وقد تمت الاستفادة ـ عند اعداد هذا المشروع ـ من العديد من الوثائق التي قدمها المشاركون في ورشة العمل. وتعتبر هذه الاستراتيجية جزء من مشروع اليونسكو حول تأثيرات تغير المناخ في المناطق الجبلية الرئيسية في العالم؛ والشبكة متعددة التخصصات لاستراتيجيات التكيف لأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. أن مشروع هذه الاستراتيجية قد طرح للمناقشة في ورشة العمل، ولازال النقاش فيه مفتوحاً. وتقبل حوله الملاحظات حتى منتصف شهر فبراير 2014 وعندها سيصدر في شكل متكامل وينشر للمداولة والدراسة والاستفادة.

وفيما يلي ملخص لمشروع هذه الاستراتيجية:

أولاً: التوصيات الأساسية للاستراتيجية؛

1ـ الاستراتيجية وحوكمة الجبال

تطوير التعاون بين البلدان المجاورة (التعاون عبر الحدود) وزيادة الاعتراف والاتفاق على المواصفات الجبلية في كل مستويات الاستراتيجية (من المستوى المحلي الى المستوى الاقليمي) وذلك بـ:

أـ تحسين منابر ارتباط العلوم بالسياسات من أجل الاستنارة المستمرة من بحوث المنظومة البيئية والبحوث الأكاديمية ودراسات المنظمات غير الحكومية.

ب ـ زيادة الاندماج ورفع صوت ممثلي التجمعات الجبلية عند اعداد السياسات وصنع القرارات ذات العلاقة بالبيئة الجبلية.

جـ ـ تطوير آليات الافادات الصادرة عن عمليات رصد وتقويم أثر السياسات النافذة.

2ـ المنظومة البيئية للتكيف:

تمتين الأسس العلمية والاستراتيجية للمنظومة البيئية للتكيف واطار عمل المنظومة البيئية الذي سيكون جوهري في تحسين آلية المنظومة البيئية الجبلية لتغير المناخ.

3ـ البحث العلمي والتعليم وتبادل المعرفة:

تظهر الحاجة الملحة الى تحسين القدرات المؤسسية على المستوى الاقليمي والدولي في زيادة تجميع ورصد واكتمال وتقويم ونشر البيانات المتعلقة بالمناطق الجبلية على نطاق واسع، وينبغي أن توجه البحوث الداعمة والفرص التعليمية وأدوات الرصد الى البدائل عن التطبيقات قيد الاستخدام غير المستدامة من أجل الوصول الى الهدف الأسمى للتكيف مع المناخ المتغير.

ثانياً: مبادئ أولية:

تحتل الجبال ما نسبة 24 % من اليابسة ويعيش على سفوحها أو في المناطق المجاورة لها حوالي 1200 مليون نسمة، وتعتبر  الجبال  المصدر الأساسي لمياه الأنهار الرئيسية في العالم. وبهذا فهي ـ أي الجبال ـ توفر المصادر المائية الضرورية لنسبة ذات دلالة عالية من سكان العالم. والأهمية الكبرى للجبال تكمن في أنها المصدر للمياه العذبة مما يجعلها « أبراج المياه » العالمي، ويقدر بأن نصف سكان العالم ـ على الأقل ـ تعتمد على مياه مصدرها من منابع المياه الجبلية.

تأسيساً على التغيرات الكبرى التي غالباً ما تحدث للمناخ وعلى التغيرات في طبقات الجو العليا على مساحات جغرافية صغيرة نسبياً، فإن المناطق الجبلية عادة ما يظهر بها تنوع بيولوجي على مستوى المنظومة البيئية. وهذا التنوع البيولوجي الغني يوفر لسكان الجبال أصنافاً من خدمات المنظومة البيئية التي تعتبر أساساً معيشياً لمعظم الحياة الجبلية سواء من خلال دعم الأنشطة المستدامة أو توفير الموارد الطبيعية للنشاط الاقتصادي.

وعلى الرغم من وجود إمكانيات هائلة للاستعمال المستدام للموارد الطبيعية الجبلية إلا أن تغير المناخ ـ الى جانب تغيرات عالمية أخرى ـ يهدد بحدوث تأثيرات سلبية حادة على بناء ووظيفة المنظومة البيئية الجبلية الهشة تتعدى الى مدى أبعد من القدرات الطبيعية.

أن الاعتماد العالمي على خدمات المنظومة البيئية المتوفرة بواسطة الجبال يؤدي الى ظهور الحاجة للرصد والتوثيق إذا ما أريد للموارد أن تحفظ وتصان بشكل مستدام.

ثالثاً: خدمات المنظومة البيئية الجبلية:

الاطار النظري لخدمات المنظومة البيئية (الانتاج المباشر وغير المباشر والخدمات التي تتوفر بواسطة المنظومة البيئية) يقدم مدخل معياري لتصنيف وتقدير الموارد الطبيعية بطرق لها دلالة في المجالين: البيئي والاقتصادي. إن الاستفادة من خدمات المنظومة البيئية يساعد على تكوين رؤية لمدى أوسع نحو تعدد وظائف الجبال بالمقارنة بيئيات أرضية أخرى، وبسبب هذه الوظائف استقطبت الجبال الاهتمام العالمي في العقود الماضية.

1ـ الخدمات التموينية:

ربما يكون توفير المياه والعناية بها أهم خدمات المنظومة البيئية الجبلية. فعلى المستوى العالمي نجد أن ما نسبته 23 % من المساحات الجبلية ضرورية لتدفق المياه، 30 % من المساحات الأخرى تساند هذا التدفق بدرجة معينة. وكوظيفة لهيدرولوجيا المياه (معدل هطول الأمطار وهو عالي نسبياً، ونزول الجليد، والثلج، والتجمد، والبحيرات المتجمدة، والثلج المذاب) تساهم المساحات الجبلية بكميات مناسبة في تغذية الأنهار الرئيسية في العالم والعديد من الأنهار الثانوية، وأيضاً في تغذية خزانات المياه الجوفية سواء الأصلية منها أو المنقولة.

أن المساحات الانسيابية (المساعدة على دفع تيار المياه) والمتاخمة للأراضي المنخفضة تعتمد ـ بشكل أساسي ـ على المياه الهابطة من الجبال ليس فقط للاستعمال المدني، ولكن أيضاً للنشاط الاقتصادي بما في ذلك ري المحاصيل الزراعية والتزويد بالمياه لقطاعات صناعية مختلفة ومحطات توليد الطاقة سواء في الجبال أو السهول.

اعتبرت الجبال ولفترة طويلة المركز الوحيد للتنوع البيولوجي، وقد استعمل الانسان هذا المركز في الحصول على متطلبات الحياة (خدمات المنظومة البيئية) مثل: الغذاء، الألياف، المصادر الوراثية، الأخشاب وغير الأخشاب من منتوجات الغابات الجبلية (والتي تمثل ما نسبته 28 % من الغابات على المستوى العالمي). فالجبال هي المصدر الأصلي للتنويع و (أو) التدجين لكثير من المحاصيل الزراعية النوعية الرئيسية في العالم مثل: الذرة الصفراء، الذرة البيضاء، الشعير، البطاطا. ولازالت الجبال تؤدي دور الحاضن الجيني الضروري للعديد من النباتات؛ مثل: النباتات المهمة للنشاط الزراعي والنشاط الصيدلاني، وعائلة المحاصيل البرية، ونباتات البستنة، ونباتات الزينة. بيد أن فرص استغلال الموارد الجينية كنتاج لخدمات المنظومة البيئية الجبلية المستدامة لازالت معرفتها ضعيفة من قبل الانسان وهي في ذاتها غير متطورة.

2ـ تنظيم ودعم الخدمات:

أن الجبال لا تقدم انتاج وخدمات للمنظومة البيئية فقط، ولكن أيضاً تعمل بشكل أساسي على تنظيم العوامل الحياتية لاحتياجات الانسان من خلال تنظيم المناخ، وتنقية الهواء، وتوفير الماء وتحسين نوعيته. أن الدور الصحي للمنظومة البيئية الجبلية يساهم أيضاً في الحماية من الكوارث الطبيعية ومواجهة أثار الأحداث الكبيرة وخاصة الأحداث الهيدرولوجية مثل: الفيضانات والجفاف. أن هذا التنظيم لخدمات المنظومة البيئية أساسي بشكل خاص للأراضي المجاورة للجبال (السهول) حيث تأثيرات تلك الأحداث تكون أكثر وضوحاً حتى على بعد المئات من الكيلومترات من مصدرها. وبالمقارنة تضعف المعرفة بالأهمية البيولوجية للجبال وفي تنظيم المنظومة البيئية مثل: التلقيح، زرع البذور، والقضاء على الآفات والأمراض.

3ـ الخدمات الثقافية:

من الملاحظ أن جزءاً كبيراً من الثقافة العالمية، والتنوع اللغوي يوجد في المناطق الجبلية. ومن ثم ـ هذه الثقافة وهذا التنوع ـ يمثل تراثاً إنسانياً في تلك البيئة القاسية. ونموذجياً على مدى قرون طويلة إن لم تكن الفيات عدة، وتمتلك المناطق الجبلية قدرات هائلة لتقديم خدمات غير مادية في مجالات ثقافية مثل: التراث الثقافي والقيم الجمالية. والمقدر والمحتفل بها في مناسباتها على نطاق واسع في العالم. أن أهمية السياحة والاستجمام تمثل قدرة ثقافية وأساس لاقتصاديات محلية في العديد من المنطق الجبلية على اتساع العالم، لذلك فإن فرص الاستثمار الثقافي تتوفر لمستويات مختلفة في جميع المناطق الجبلية، وتدني مستواها في بعض المناطق يكون بسبب القصور في البنية الأساسية التي غالباً ما تحد من زيادة التطور في المناطق الأقل نمواً.

رابعاً: تهديدات تغير المناخ

تعتبر الجبال ضمن المناطق الأكثر حساسية لتغير المناخ، وهي بذلك تمدناً ببعض المؤشرات الأكثر وضوحاً لارتفاع درجة الحرارة على المستوى العالمي والتي أظهرت أن القرن العشرين سجل درجة حرارة ـ على وجه العموم ـ أعلى من المعتاد بمقارنة المتوسط العالمي. ومن المتوقع أن الاستعدادات في المدى المتوسط والبعيد لتأثير المناخ في المناطق الجبلية سيكون لها صدى ملحوظاً وتملي تغيرات غير مسبوقة لتلك المعروفة أصلاً في المنظومة البيئية الهشة. ولسبب المعدل المتسارع لانكماش الجليد وانحساره على مستوى العالم وتقلص الكتل الجليدية نفسها فإن كل ذلك يعمل كمؤشر أساسي لتأثير تغير المناخ على البيئة وخاصة البيئة الجبلية، ويمكن النظر لحالة الجليد كمنظومة انذار مبكر عالمي.

أن توقع ومواجهة تأثيرات تغير المناخ على قدرة الجبال على التزويد الفاعل للمنظومة البيئية ضروري سواء للمجتمعات الجبلية الضعيفة أو للمناطق المجاورة المعتمدة عليها.

أن مواجهة هذه التغيرات يمكن أن توفر في المرحلة الأولى مكونات لسياسات التكيف في المستوى المحلي والاقليمي تساهم في وضع تخطيط محدد ومناسب للمناطق الجبلية وسياساتها. والعنصر الأساسي في ذلك هو تقوية الجانب السياسي في مفهوم المنظومة البيئية.

خامساً: الاتجاه العام لخدمات المنظومة البيئية في سياسات التكيف:

لقد توافقت التقييمات للمناطق الجبلية بأنها ضعيفة في مواجهة تغير المناخ سواء بالنسبة للطبيعة البيولوجية الهشة والكوارث الطبيعية والضعف الاجتماعي والحياة الانسانية أو بالنسبة للتنوع البيولوجي الجبلي.

تحسين آلية التعايش لمعظم المجتمعات الجبلية الموجودة في مواطن الخطر من جراء تغير المناخ يقع في أعلى سلم الأولويات حيث أن تأثير تغير المناخ أصبح حدثاً يتضاعف بمرور الوقت. والعنصر الدائم الأساسي هو استخدام اختبار القدرة على التعرف على المناطق والمجتمعات التي هي في المواقع الأكثر خطورة. والادارة الحساسة للمنظومة البيئية بمكن أن تساعد في نشر الوعي بالتكيف مع تغير المناخ، ويلاحظ انتشار مظاهر التكيف المعتمد على المنظومة البيئية في عدد من المناطق الجبلية. ونتج عن ذلك استخدام مستدام للتنوع البيولوجي، ومنظومات بيئية أخرى كوسائل لتعزيز القدرات التكيفية للمنظومات البيئية الاجتماعية الجبلية للاستجابة لمواجهة تغير المناخ.

1ـ التحديات، الفجوة المعرفية، عدم التأكد؛

في الوقت الذي تتوفر فيه منظومة بيئية غير مسبوقة، فإن الجبال بقيت ضمن المنظومة البيئية الأكثر فقراً من حيث التوثيق، وعلى الرغم من المادة العلمية المركزة على الجبال ونمو المنظومة البيئية فإنها ـ أي المنظومة ـ لازالت محدودة للغاية. أن ربط مجموعة المنظومات البيئية بسياسات التكيف مع تغير المناخ لم يتقدم الى ما بعد مستوى الاطار النظري في المناطق الجبلية. ويحتاج الى قاعدة بيانات فاعلة تتضمن التوجهات العامة للمبادرات المطبقة في ذات المجال.

قد تظهر فائدة التعميم بالنسبة للمنظومة البيئية المتوفرة للجبال، ولكن المواصفات لمناطق معينة من الجبال ينبغي أن تحضى بالاهتمام في اطار عمل محدد يراعي خصوصيتها. إن التحدي الأساسي هو دعم اختبارات القدرة واشراك سياسات التكيف المعتمد على المنظومة البيئية، وذلك للحاجة اليها في تخفيض مستوى عدم التأكد العلمي المرافق لتغير المناخ (تدنى مستوى القياس للنماذج الدراسية للمناخ ….الخ) إذ من المرجح تأثيره ـ أي عدم التأكد العلمي ـ على المستوى المحلي والذي يستلزم زيادة الرصد (خاصة في المناطق المرتفعة) ومضاعفة التجميع والتوزيع للبيانات والمعلومات الأساسية.

2ـ التعاون والتجارة فيما بين المنظومات البيئية الجبلية؛

ينبغي أن يجري تقييم دقيق للمكاسب الاقتصادية الممكن تحقيقها للمجتمعات الجبلية كمردود للمنظومة البيئية، مع تجنب التشديد المفرط في تعريف التعاون (والذي يمكن التوسع فيه الى منظومات بيئية متعددة) والعمل على ضمان انعاش التجارة البينية.

لقد تطورت ـ حديثاً ـ أدوات اتخاذ القرار ومنابر لعرض ودراسة النماذج والسياقات البحثية في اطار المنظومات البيئية والتي يمكن استعمالها للحصول على صورة شاملة لظروف وإمكانية التعاون والتبادل التجاري ضمن المنظومة البيئية في المناطق الجبلية وخاصة فيما يتعلق بالمواقع الطبيعية. بينما توجد منظومات بيئية جبلية مرشحه لأن تذلل بعض الصعوبات المتعلقة بتغير المناخ. كما يمكن ـ في الوقت نفسه ـ معالجة بعض الجوانب الأخرى مثل: الانتاج الغذائي، تصاعد الكربون، خدمات الفواصل المائية، الاستجمام. إن التطور الحالي الحاصل في أدوات اتخاذ القرار والنماذج والسياقات البحثية يمكن أن يساعد على ضمان استقرار المستقبل، وعلى رصد المنظومة البيئية وتقويم المشروعات ذات العلاقة بالتكيف. أن هذا الضمان والرصد والتقويم سيكون من ضروريات التعميم واقتراح تطبيقات جديدة.

المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو

Print This Post