مشروع طريق الرقيق: عِبَر من الماضي وقيم للمستقبل

2014/09/15

لطالما اتّسمت قضايا عالمية – مثل التنمية، وحقوق الإنسان، والتعددية الثقافية والحوار بين الثقافات- بغياب تام للوعي والفهم المتصلين بالاتجار بالرقيق عبر المحيط الأطلسي‏. ولكسر الصمت الذي يلف الاتجار بالرقيق، أطلقت اليونسكو مشروع طريق الرقيق بوصفه أداة عالمية للبحث عن سبل لتعزيز التقارب بين الشعوب حول الموروثات المشتركة الناجمة عن هذه المأساة. وفي 10 سبتمبر، ستحتفل اليونسكو بالعيد العشرين للمشروع في مقر ّ المنظمة في باريس.

وقالت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في هذا الصدد:  » إنّ الاتجار بالرقيق لا ينتمي إلى الماضي فقط: بل إنّه يمثّل تاريخنا، فضلا عن أنه رسم ملامح العديد من المجتمعات الحديثة، وهو ما أسفر عن إقامة صلات لا تنفصم بين الشعوب والقارات، وغيّر مصير الأمم واقتصاداتها وثقافاتها تغييرا لا رجعة عنه ».

وقد كان للمشروع وقع كبير منذ عام 1994. فقد ساعدت الجهات التي قادت هذا المشروع في ضمان الاعتراف الرسمي بالاتجار بالرقيق بوصفه جريمة ضد الإنسانية، وذلك في عام 2001. وقال علي موسى إيي، مدير مشروع طريق الرقيق: « قامت اليونسكو بوضع مشروع طريق الرقيق بناء على اقتراح تقدّمت به هايتي وبلدان أفريقية أخرى. ونحن حريصون على اعتماد نهج شمولي بعيد عن الاتهامات، حتى نعيد إرساء الحوار. وعلينا أن نفهم هذه المأساة التي أفضت إلى انقسام الإنسانية؛ فإبقاء هذه الواقعة التاريخية طي الكتمان يحول دون بناء السلام والمصالحة. وقد نجحت اليونسكو في إدراج الاتجار بالرقيق على جدول أعمال المجتمع الدولي، مع القيام في الوقت عينه بتطوير المعارف العلمية المتصلة بهذه المسألة ورفع الوعي بها على الصعيد العالمي. وبالإضافة إلى الإسهام في الاعتراف بالاستعباد بوصفه جريمة ضد الإنسانية، ساعدنا في إعلان تاريخ 23 أغسطس يوما دوليا لذكرى الاتجار بالرقيق وإلغائه. وأنشأنا لجانا وطنية لمشروع « طريق الرقيق » (البرتغال، وبنن، وغانا، وكوبا، والمكسيك، وهايتي،الخ)، فضلا عن شبكات المؤسسات العلمية (أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، والعالم العربي الإسلامي، والمحيط الهندي، والأمريكتان، وأوروبا، الخ).

ومن خلال مجموعة متنوّعة من البرامج الثقافية والتربوية، يعزّز المشروع الوعي بهذا الاستعباد وبتبعاته. ويظهر إسهامات الشعوب المُستعبدة في تحقيق الاعتراف بحقوق الإنسان العالمية. وتساعد اليونسكو الدول الأعضاء في توفير الدعم للبحوث، وإثراء تاريخها الوطني الخاص، وتسهيل تشاطر الذكريات من خلال مبادرات تقودها المنظمة وتحظى بقدر كبير من الثناء مثل « تاريخ أفريقيا العام ». وتشمل أمثلة أخرى إعداد المعلمين وتدريبهم على تدريس الاتجار بالرقيق، وإعداد المواد التربوية ذات الصلة، والحفاظ على المواقع التذكارية والأرشيفات، وتعزيز التفاعل بين الثقافات.

وبالنسبة إلى اليونسكو، يشكل إحياء هذه الذكرى جزءا أساسيا من مكافحة التمييز العنصري. ونقل تاريخ الاتجار بالرقيق إنّما يعزّز أسس بناء السلام، ويرسّخ احترام حقوق الإنسان. وقال موسى إيي في هذا السياق: « يفرض تحدي « العيش معا » ضمن مجتمعاتنا المتعددة الثقافات الاعتراف بتاريخ كل شخص وذاكرته، وفي الوقت عينه تشاطر تراثنا المشترك، من أجل تجاوز المآسي التي شهدناها في الماضي ».

ويساعدنا ماركوس ميلر، فنان اليونسكو للسلام والمتحدث باسم مشروع الرقيق، في نشر هذه الرسالة من خلال موسيقاه. فيقول عازف موسيقى الجاز المرموق بهذا الصدد: « إنّ قصة الاستعباد تظهر لنا أنّه باستطاعتنا التغلّب على المأساة، وأنّه يمكن للعالم أن يتغيّر نحو الأفضل، وأنّه باستطاعتنا القيام بأمور تتخطى مجرد محاولة البقاء – أي أنّه باستطاعتنا ان نحلّق عاليا ».

ويعرض مشروع طريق الرقيق الدور الهام الذي تضطلع به الثقافة في النضال من أجل الكرامة. ويحتفي بالعبقرية الفنية التي يفضي إليها التفاعل بين شعوب قارات مختلفة، من خلال التعبيرات الثقافية التي أثرَت مجتمعاتنا وأبرزت غنى الحوار بين الثقافات. ويجد عدد كبير من أنواع الموسيقى العالمية – الجاز، والبلوز، والسول، والآر أند بي، والريغي، والهيب هوب، والتانغو، والكابويرا، وغيرها – جذوره في الاتجار بالرقيق. وهذه التعبيرات الثقافية، فضلا عن عدد من المواقع التاريخية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالاتجار بالرقيق مثل جزيرة غوريه، جميعها مُصانَة ومحفوظة بفضل برامج اليونسكو المعنية بالتراث الثقافي غير المادي والتراث العالمي. وتعزّز اليونسكو هذا التراث بوصفه جسرا للحوار والفهم.

وقالت المديرة العامة: « يشكل هذا التاريخ جزءا من النضال العالمي في سبيل احترام حقوق الإنسان وتحقيق المساواة، ويتعيّن تدريسه للأطفال في جميع أنحاء العالم بوصفه مصدرا للنضال في سبيل تحقيق السلام، أو بالأحرى بوصفه مصدرهم الخاص للنضال في سبيل تحقيق السلام ». ويمكن للتاريخ أيضا أن يغذي تفكيرنا في ما يتصل بمجتمعاتنا الحالية المتعددة الثقافات والإثنيات. ويشكل مصدر وحي للنضال الذي نقوده اليوم ضد التحيّز العنصري والتمييز، وضد جميع أشكال الاستعباد التي لاتزال قائمة والتي لا يزال يقع ضحيتها 20 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.

ويُبَث الاحتفال بالعيد العشرين للمشروع مباشرة على شبكة الإنترنت على العنوان . ومن خلال استخدام هاشتاغ slaveroute# (طريق الرقيق)، سيتمكّن الأشخاص من تبادل أفكارهم مع متحدثين مرموقين، مثل فخامة الرئيس عبدو ديوف، رئيس السنغال الأسبق؛ وفخامة الرئيس يواكيم شيسانو، رئيس جمهورية موزنبيق الأسبق؛ والسيدة كريستيان توبيرا، وزيرة العدل الفرنسية؛ والسيدة ميكاييل جان، المبعوثة الخاصة لهاييتي لدى اليونسكو؛ والسيد ماركوس ميلر.كما سيقوم كل من فريق تازنكو غوو كا أ؛ وأنوانغا، راقص الماساي، وماري باث، عازفة الآلات الإيقاعية الكهربائية الكوبية، وفريق موسيقي كناوة « سفارة الخفاء » ، وفريق مشروع آفرو سامبا الموسيقي البرازيلي، بتقديم عروض لإبراز بعض التقاليد الموسيقية. وتجد هذه التعبيرات الثقافية جميعها جذورها في أفريقيا، وأصبحت جزءا من التراث المشترك الحالي للإنسانية، وتغلغلت في نسيج المجتمعات في جميع أنحاء العالم.

رابط: برنامج الاحتفال (باللغة الإنكليزية)

المصدر: اليونسكو


Print This Post