مال الله: أيقونة ترمز إلى حق الفتيات في التعليم

2012/12/9

« انصروا مال الله ـ وأيدوا حق الفتيات في التعليم »ّ، هذا هو شعار الحدث البارز الذي سيقام في مقر اليونسكو بباريس غداً الموافق 10 ديسمبر بمناسبة اليوم الدولي لحقوق الإنسان. ويرمي هذا الحدث، الذي تُنظمه اليونسكو وحكومة باكستان، إلى تسريع وتيرة العمل السياسي لضمان حق كل فتاة في الذهاب إلى المدرسة ولتعزيز تعليم الفتيات باعتباره أولوية ملحة من أجل تحقيق أهداف التعليم للجميع.

إن الغرض من هذا الحدث هو توجيه تحية إلى مال الله يوسفزاي، الفتاة الباكستانية ذات الشجاعة المدهشة والبالغة من العمر 15 سنة التي نجت من محاولة اغتيال، وذلك تقديراً لجهودها الدؤوبة في الدفاع عن حق تعليم الفتيات في باكستان، بعد أن منعت حركة طالبان الفتيات من الالتحاق بالمدارس في وادي « سوات » مسقط رأسها. واعتبر هذا الحظر بمثابة انتهاك لحقوق الإنسان في التعليم ولمبدأ المساواة بين الجنسين على حد سواء. وفي تظاهرة رسمية جرت الشهر الماضي لتأييد مال الله، صرحت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو بأنه: »كلما وأينما تُمنع فتاة صغيرة من الذهاب إلى المدرسة، فإن ذلك إنما يمثل عدواناً ضد جميع الفتيات، وضد الحق في التعليم، وضد الحق في الحياة على أتم وجه؛ إن مثل هذا العدوان هو من الأمور التي لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال ».

والواقع أنه ليس ثمة تبرير لمنع الفتيات والنساء من حقهن في التعليم، سواء أكان ذلك من الناحية الثقافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. كما أن الإنسانية تقف وقفة مجتمع واحد عندما تتوحد للدفاع عن حقوق الإنسان وعن الحريات الأساسية.

ويبرز النضال الذي تمارسه مال الله واقعاً مروعاً مفاده أن الفتيات يشكلن معظم أطفال العالم غير الملتحقين بالمدارس والبالغ عددهم 61 مليون طفل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فرص التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي هي أقل بكثير من الفرص المتاحة للفتيان. وعلاوة على ذلك، فإن الممارسات السيئة، مثل ظاهرة الزواج المبكر وأعمال العنف القائمة على الجنس والقوانين التمييزية من شأنها منع الفتيات من القيد في المدارس أو إتمام التعليم، كما أن الفوارق في التعليم تبدأ منذ الطفولة المبكرة وتستمر حتى سن البلوغ. وما زالت النساء يشكلن ثلثي الأميين البالغ عددهم 775 مليون نسمة في العالم. وعلى الرغم من أوجه التقدم السريع في مجال التعليم العالي، فإن النساء لا يمثلن سوى 29 في المائة من العاملين في مجال البحوث.

إن من غير الممكن بناء مجتمع يتسم بالإنصاف والعدل دون تحقيق المساواة بين الجنسين، ابتداءً بالتعليم. وتلتزم اليونسكو بالعمل على أن تلتحق الفتيات بالمدارس التحاقاً كلياً، وعلى أن تضمن بقاءهن فيها، وذلك  من التعليم الابتدائي ثم التعليم الثانوي وحتى التعليم العالي. فمن شأن التعليم أن يسرع وتيرة التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مما يوفر للفتيات الأدوات اللازمة لتشكيل العالم وفقاً لتطلعاتهن. فضلاً عن أن التعليم له أثر إيجابي على صحة الطفل والأم، وعلى معدلات الحمل والحد من وطأة الفقر. فالتعليم يضاعف الحياة. ومثال ذلك أن النساء اللاتي أنجزن مرحلة التعليم ما بعد الابتدائي تتوافر لديهن فرص الدراية بالوقاية من فيروس ومرض الإيدز بما يعادل خمسة أضعاف الفرص المتاحة للنساء الأميات في هذا الشأن.

ومن خلال المدونة المشهورة التي تحكي حياتها في ظل حكم الطالبان، تدين مال الله أعمال التدمير التي تتعرض لها المدارس، ولاسيما مدارس الفتيات، وتقول في هذا الصدد: »لقد دُمرت خمس مدارس أخرى كانت إحداها تقع بالقرب من منزلي. وهذا أمر يدهشني كل الدهشة لأن هذه المدارس كانت مغلقة، فلماذا دعت الحاجة إلى تدميرها؟ ». وكما يُبين تقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2011، فقد بات الأطفال والمدارس اليوم في مرمى نار النزاعات المسلحة، وبات المعلمون والتلاميذ وقاعات الدرس يُحسبون في عداد الأهداف المشروعة. ولذلك ورد في التقرير أن: »التلاميذ ينتابهم خوف متزايد من الذهاب إلى المدرسة، وصار المعلمون يخشون أكثر فأكثر إعطاء الدروس، وبات الخوف يتصاعد لدى الآباء والأمهات من إرسال أولادهم إلى المدرسة ». وفي معرض إشادتها بشجاعة مال الله، ذكّرت بوكوفا بالوضع العالمي على نحو يتسم بالدقة والواقعية، فقالت: »في أبريل هذا العام، في أفغانستان، أُصيب أكثر من 100 تلميذ في المدارس الثانوية في إقليم « تاخار » بحالات تسمم من فعل جماعات متعصبة مناوئة لتعليم الفتيات. وفي مالي، يتم إجبار الفتيات على الزواج وتجنيدهن بواسطة الميليشيات ومنعهن من الذهاب إلى المدارس ومن العيش حياة كريمة. أما مال الله يوسفزاي فهي تُعتبر رمزاً لكل هؤلاء الفتيات الصغيرات ». كيف يرى الكثير من الفتيات الأخريات أن مخاطر أعمال العنف المحتملة أو القائمة بالفعل تمنعهن من الانتفاع بالتعليم؟ ولماذا تمثل الفتيات والنساء غالبية ضحايا مثل هذه المخاطر؟ إن التعليم ينبغي أن يتصدر عملية إرساء دعائم السلام، بدلاً من أن يكون في مرمي النار.

وأدانت اليونسكو بشكل رسمي العدوان الذي تعرضت له مال الله وأسفر عن إصابة فتاتين أخريين. فقد جاء في تصريح أدلت به المديرة العامة للمنظمة أنه « لا يمكن السماح للسلاح أن يزيح أي حق في التعليم أو حرية التعبير [...] ومن مسؤوليتنا جميعاً الوقوف بالمرصاد في وجهه ». وفي ختام الدورة التسعين بعد المائة للمجلس التنفيذي، رفع جميع مندوبي الدول الأعضاء البالغ عددهم 59 عضواً هذا النداء ووقفوا لحظة صمت حاملين صورة مال الله. وتقرر أن يكون إطلاق التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2012 في إسلام أباد مناسبة لتكريم مال الله، وذلك للتشديد على ضرورة أن يكون تعليم الفتيات ضمن الأهداف الإنمائية في باكستان إن كان لها أن تتحقق.

وقالت مال الله في مقابلة اتسمت بنضج تفكير يتجاوز سنها الصغير: »إن هدفي إنما يتمثل في خدمة الإنسانية ». إن مال الله، مثلها مثل الكثير من الشباب اليوم، تسعى إلى تغيير العالم. كما تبين أنشطة الترويج التي تضطلع بها مال الله على نحو حماسي قوة التطلعات الرامية إلى أن يمضي تاريخ الإنسانية قدماً بفضل تعزيز حقوق الإنسان. وسوف يستمد الحدث الذي تنظمه اليونسكو في 10 ديسمبر 2012 قوته من هذا المثال الذي ترمز إليه مال الله. وليس هناك من عوائق يستحيل القضاء عليها في ما يتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين والتعليم للجميع. إن الحلم الذي يراود مال الله هو حلمنا أيضاً. إننا جميعاً مال الله.

المصدر: اليونسكو

 قصيدة بقلم أمينة اللجنة الوطنية الليبية تندد من خلالها بمحاولة اغتيال ناشطة في حملة ( حق الفتيات في التعليم)

Print This Post