الهجرة في العالم

2015/03/24

نُظم في مقر اليونسكو يوم 5 مارس 2015 مؤتمر حول الهجرة في العالم، قامت بتنظيمه جامعة الأمم المتحدة.

اشتمل جدول الأعمال على البنود التالية:

كلمات الترحيب والافتتاح؛

الجلسة الأولى: الحروب، التغيرات المناخية والهجرة: البحر المتوسط والشرق الأوسط؛

الجلسة الثانية: مأساة عالمية: واقع الأمور؛

الجلسة الثالثة: نظرة مستقبلية بشأن الهجرة؛

الخاتمة

قام بإدارة الجلسات الصباحية السيد دانيال روندو ممثل جامعة الأمم المتحدة لدى اليونسكو، كاتب، وسفير سابق لفرنسا في مالطا.

أُعطيت الكلمة للسيدة ندى الناشف مساعدة المديرة العامة لليونسكو للشؤون الاجتماعية والإنسانية، التي شكرت جامعة الأمم المتحدة على تنظيم هذا الحدث المهم، وذكرت أنه يوجد 230 مليون مهاجر في العالم أي بنسبة 3،2 % من سكان العالم من بينهم نساء وأطفال يبحثون عن بيئة مؤاتية للعيش، تركوا مناطقهم نتيجة للفقر والتشرد وعدم وجود الأمن، وهو وضع معقد يلامس التركيبة الاجتماعية وكرامة الإنسان والاحترام والتسامح، وهذا أمر يهم المجتمع الدولي. وشدّدت المتحدثة على أن اليونسكو ملتزمة مع الدول الأعضاء من أجل تحسين فهم وإدارة هذه الظواهر المعقدة لمواجهتها بأفكار سياسية دقيقة وفعالة، وتحاول في نفس الوقت القضاء على أسبابها.

ونوّهت السيدة الناشف على أن هناك علاقة بين الهجرة والتغيرات المناخية، وأن اليونسكو ملتزمة بالبحث في هذا الموضوع، حيث تأمل في تقديم مساهمة طيبة في المؤتمر الذي سيُعقد في اليونسكو حول التغيرات المناخية في نهاية سنة 2015. وأشارت المتحدثة إلى أنه يجب على اليونسكو أن تساعد الدول التي تستقبل اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن والعراق الذين يواجهون أسوأ أزمة إنسانية في العالم. واستشهدت السيدة الناشف في نهاية حديثها ووصفها للوضع المزري للمهاجرين بقول الشاعر اللبناني جبران خليل جبران: (افتح عينيك جيداً وانظر، تجد صورك في كل الصور وافتح أذنيك جيداً وأصغ تسمع صوتك في كل الأصوات).

تحدّث السيد ديفيد مالون، عميد جامعة الأمم المتحدة، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة، فأشار إلى أن جامعة الأمم المتحدة هي منظمة فريدة في نظام الأمم المتحدة وكبرت بالمؤسسة المالية التي وفّرت لها بعض الاستقرار الذي هو مهم جداً للبحث، فالبحث يُخطط له ويُنفذ. أشار السيد مالون إلى أنه حفيد لأربعة مهاجرين، اثنين في استراليا واثنين في كندا، ورأى أنه يجب أن يتم فهم ظاهرة الهجرة لأن الناس تنسى بسرعة عائلاتها الخاصة ولا أحد يتخيل أنه ربما  سيصبح مهاجراً أو أن أولاده سيصبحون مهاجرين أيضاً، فالهجرة هي عملية دائرية وليست في اتجاه واحد، يبدأ وينتهي في نقطة ثابتة. وأشار إلى أن العالم يدرس هذه الظاهرة عبر وسائل الإعلام متناسياً ما قدمه المهاجرون عبر قرنين من الزمن من فوائد للمجتمعات التي هاجروا إليها، لأن الفكرة الرائجة في الإعلام باستمرار أن الهجرة تنطلق من دول الجنوب إلى دول الشمال، وهي فكرة خاطئة بالمطلق، لأن الهجرة الكبيرة هي باتجاه الجنوب، حيث توجد هجرة حضرية كبيرة في الصين، وفي الهند، وكذلك في وسط أفريقيا، وضرب مثلاً بالسودان الذي استقبل في سبعينات وثمانيات القرن الماضي ومازال يستقبل آلاف المهاجرين الأفارقة على الرغم من أنه بلدُ فقيرُ، ولكن سكانه تقاسموا ما لديهم مع اللاجئين.

ودحض السيد مالون فكرة أن الغرب هو الهدف الرئيسي للهجرة وأنه ضحية لهذه الظاهرة العالمية معتبراً هذا الرأي تحريفاً كبيراً للحقيقة المتعلقة بالهجرة حول العالم، وأشار إلى أن الباكستان تستقبل ملايين اللاجئين من أفغانستان منذ عشرات السنين بدون أن تشتكي من هذه الظاهرة، فالاستقبال هو طبيعة دول الجنوب وهي صفة لا توجد في دول الشمال هذه الأيام. وعزا السيد مالون وجود ظاهرة الهجرة من الجنوب إلى الشمال إلى عدم خلق فرص عمل في أغلب دول الجنوب، مما يحتم على المجتمع الدولي إيجاد فرص عمل في مختلف مناطق العالم. وختم عميد جامعة الأمم المتحدة حديثه بأن العالم يجب أن يحتفظ بالجانب الإيجابي من ظاهرة الهجرة وليس بالجانب السلبي، لأن الجميع يستفيد من هذه الظاهرة.

تكلم السيد دنيال روندو فأشار إلى أن سنة 2015 بدأت كما انتهت سنة 2014، هناك قوارب وبضائع متروكة في البحر المتوسط متجهة نحو الشواطئ، على متنها بعض المهاجرين بدون مياه ولا أكل، نقلوا كالأنعام في ظروف جهنمية. وأوضح المتحدث بأن رقماُ قياسياُ للمهاجرين غير الشرعيين في العالم قد أُضيف وهو حوالي 350000 شخص هاجروا العام الماضي بطرق غالباً ما تكون مأساوية، فقد ابتلع البحر المتوسط ما يقارب من 4000 شخصاً منذ سنة، فهذا البحر أصبح مقبرةً، حيث اختفت فيه آلاف القوارب التي تحمل مهاجرين منذ عشرين سنة.

وأكد ممثل جامعة الأمم المتحدة لدى اليونسكو على أن حركة الهجرة ليست مقتصرة فقط إلى أوروبا ولكنها ظاهرة عالمية، مثلاً توجد هجرة بين الحدود المكسيكية الأمريكية وكذلك في الصين. وأضاف المتحدث بأنه يوجد حوالي أكثر من 215 مليون مهاجر عالمي، و 750 مليون مهاجر بالداخل وأن مسألة الهجرة ستُمثّل اتجاهاً رئيسياً في القرن الحادي والعشرين وستكون لها نتائج دائمة على الأنظمة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية. ونوّه السيد روندو إلى أن هذه الظاهرة ستستمر وبسرعة في السنين القادمة كنتيجة حتمية للأزمات الاقتصادية، والصراعات المتنامية في عدة مناطق من العالم هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى بسبب التدهور البيئي المرتبط بالتغيرات المناخية.

الجلسة الأولى: الحروب، التغيرات المناخية والهجرة: البحر المتوسط والشرق الأوسط:

تحدث في هذه الجلسة كل من السيد اندريا ريكاردي، وزير خارجية إيطالي سابق، مؤسس مجتمع سانت إيجيديو، والسيد ميجيل أنجيل موراتينوس، وزير خارجية إسباني سابق، والسيد يوسف العمراني، وزير مفوض سابق في وزارة التعاون والشؤون الخارجية في المغرب ومسؤول في الديوان الملكي، والسيد سليم داكش، رئيس جامعة القديس يوسف في بيروت، والسيد بريس لالوند، مستشار خاص في التنمية المستدامة للميثاق العالمي، والسيد جوزيف مُسكات، رئيس وزراء مالطا.

أكّد السيد  اندريا ريكاردي أن أوروبا عموماً، وإيطاليا خصوصاً تواجه خطر الهجرة وخاصة القادمة من شمال أفريقيا عموماً وبالتحديد تلك المنطلقة من الشواطئ الليبية، وأن البحر المتوسط أصبح مقبرةً للمهاجرين. وأشار السيد ريكاردي إلى أن إيطاليا تعاني من العدد الهائل من المهاجرين أغلبهم من السوريين والأفارقة قاصدين شواطئها مما يتطلب اهتماماً بهم، وهو عبء على الاقتصاد الإيطالي.

أشار السيد موراتينوس إلى أن الدبلوماسية الدولية عموماً والدبلوماسية الأوروبية خصوصاً لم تتعاملا مع هذه الظاهرة بطرق صحيحة وعقلانية، أي البحث عن جذور وأسباب الهجرة، ومحاولة إيجاد إجابة عن السؤال القائل لماذا يهاجر هؤلاء الناس ويتركون أوطانهم الأصلية ويغامرون في عرض البحر، ومنهم من يقضي نحبه ومنهم من ينجو بأعجوبة؟ وضرب المتحدث مثلاً بإسبانيا عندما كان وزيراً لخارجيتها وقد كانت أكثر بلد تعرض لموجة من المهاجرين. وذكر وزير خارجية اسبانيا السابق، أنه ذهب إلى الدول الأفريقية التي خرج منها المهاجرون وحاول ايجاد حلول لمنع الهجرة، وهذه الحلول تتمثّل في إيجاد مشاريع للشباب في تلك الدول عن طريق دعمها وتقديم المعونة لها حتى تتمكن من خلق فرص للعمل. وشدّد السيد موراتينوس على أن الحل الوحيد لهذه الظاهرة هو القضاء على أسبابها ومعالجتها في موطنها الأصلي. وتساءل يوسف العمراني عن كيفية مواجهة حركة تدفق المهاجرين مشيراً إلى أن المغرب كانت بلداً مُصدِّراً للهجرة ثم انتقلت إلى بلد عبور، وفي النهاية أصبحت بلداً مقراً للمهاجرين القادمين من وراء الصحراء ومن الشرق الأوسط. واقترح المتحدث إيجاد استراتيجية للتعامل مع هذه الظاهرة، حيث يتطلب إدارتها بطرق صحيحة وفعالة وهي مسؤولية مشتركة، ثم ينبغي تغليب البعد الانساني، يعني احترام حقوق المهاجرين الرجال والنساء، وكذلك يجب إقامة حوار مع كل الشركاء في هذا الموضوع.

تحدّث السيد سليم داكش فأشار إلى أن ظاهرة الهجرة هي ظاهرة قديمة وكما أن لهذه الظاهرة سلبيات تؤثر على تماسك النسيج الاجتماعي فإن لها إيجابيات، فالمهاجرون قدّموا الكثير للمجتمعات التي قدموا إليها وساهموا في بنائها من النواحي الاقتصادية على وجه الخصوص.

وألمح السيد بريس لالوند إلى الدور الذي لعبه المهاجرون في قطاع التنمية، وأكد على أن هذه الظاهرة يجب أن يتم الاهتمام بمعالجتها بطرق عقلانية.

ثم تحدث رئيس وزراء مالطا السيد جوزيف مُسكات الذي شكر اليونسكو وجامعة الأمم المتحدة على إقامة هذا المؤتمر الذي يتعلق بموضوع حساس جداً في وقت تكثر فيه الصراعات والحروب في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصاً. قدم السيد مُسكات وجهة نظر مالطا في هذا الموضوع، وهي التي تقع في قلب البحر المتوسط وتمثل حصان بين القارتين الأفريقية والأوروبية. وأكّد المتحدث على أن هناك العديد من القوارب المحملة بالمهاجرين تعبر البحر المتوسط متوجهة إلى أوروبا وأغلبها يغادر من الشواطئ الليبية. وقال السيد مُسكات أن القوات المالطية محدودة العدد ولكنها تؤدي عملها بكل مهنية حيث أنقدت خلال الأربع سنوات الماضية حوالى 14 ألف شخص في حوالي ألف عملية إنقاذ. وأكد رئيس وزراء مالطا أن عدد المهاجرين القادمين إلى مالطا كبير، وأن هناك أرواحاً كثيرةً تزهق غرقاً في البحر المتوسط، وقد كانت هذه الأرواح تأمل في الوصول إلى أوروبا بحثاً عن عيش أفضل، وهرباً من الظروف السيئة والمعاناة في بلدانها الأصلية.

وأشار السيد جوزيف مُسكات إلى أن مالطا حاولت أن تتحدث مع شركائها الأوروبيين عن هذه القضية، لأن مسألة الهجرة ليست مقتصرة على مالطا أو إيطاليا فقط، بل تهم كل الدول الأوروبية، وهو التزام أخلاقي ينبغي إدارته من الآن دون انتظار، واستطرد المتحدث مشيراً إلى أن أغلب المهاجرين يفرون من ظروف اقتصادية كارثية، ومن نزاعات وحروب، وعنف متنامي مزق النسيج الاجتماعي في دولهم الأصلية التي لم يتوفر لهم فيها الازدهار والأمن.

ثم ركز السيد رئيس وزراء مالطا حديثه عن الوضع في ليبيا معتبرا أن استمرار العالم في غض الطرف عما يحدث في ليبيا وعدم التعاطي مع المشكلة الليبية سيجعل المشاكل تزداد على أوروبا بالكامل، مشيراً في ذات الوقت إلى أن مساحة ليبيا تساوي ثلاثة مرات مساحة فرنسا، ولها حدود مع ستة دول وعدد سكانها حوالي ستة ملايين نسمة، وهناك بعض المناطق الداخلية في ليبيا نادرة السكان، وأن الوضع الجغرافي الخاص بليبيا يجعلها دولة مهمة بشكل كبير لعبور المهاجرين، فعدم الاستقرار السياسي، وتنامي الارهاب، والانقسام القبلي، وتدفق عصابات المهربين جميعها عناصر تلعب دوراً مهماً في الوضع في ليبيا التي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود الأوروبية. وأضاف المتحدث بأن ظاهرة الهجرة من الشواطئ الليبية في ازدياد، وأن هناك من الليبيين أنفسهم من يحاول أن يهاجر إلى أوروبا رغم أن الرقم في هذا الشأن يبقى متواضعاً وغير مقلق.

وأوضح المتحدث أن الصراع على السلطة في ليبيا والنزاع المتنامي سبّبا هجرة داخلية حيث قُدِر عدد الأشخاص الذين تركوا مناطقهم وذهبوا إلى مناطق أخرى هروباً من ويلات الحرب، حسب التقديرات العالمية، بحوالي 400 ألف شخص. وقال السيد مُسكات إن تسارع الأحداث في ليبيا يجعل المجتمع الدولي يُعيد النظر في عمل محدد وبطريقة واضحة ومسئولة على المدى الطويل، ولا ينبغي القبول بوجود دول فاشلة أو ألا دولة، وبناء عليه لا يمكن غض الطرف عن المأساة المتزايدة في هذا البلد. ورأى المتحدث أن كل الأطراف في ليبيا يجب أن تكون على وعي كامل بأن الحوار السياسي هو الحل الوحيد الذي يجب أن يُتبع، وأن كل اللاعبين في الشأن الليبي سواء كانوا في الداخل أو الأطراف الخارجية يجب أن يعلموا بأن أي فشل لهذه المفاوضات سيكون كارثة. وشدّد السيد مُسكات على أن الحوار هو عملية سياسية طويلة، ولا يوجد أي حل بديل، لأنه ينبغي البحث عن السلام في ليبيا عن طريق حوار سياسي غير مشروط، يأخذ في الاعتبار البعد الانساني ووضع حقوق المواطنين على قدم المساواة.

وأكد المتحدث على دعم مالطا لعملية الحوار السياسي في ليبيا بدون إقصاء لأي طرف، وأن مالطا تدعم الخطوات التي تقوم بها الأمم المتحدة لحلحلة الوضع في هذا البلد، وإيقاف دوامة العنف الذي سبب في وضع سيئ لليبيين من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، فالليبيين أُنهكوا وينتظرون حلاً من جيرانهم يُخفف معاناتهم. وألمح السيد مُسكات إلى أن العملية السياسية الجارية حالياً في المغرب ستنتهي بحكومة وحدة وطنية وبغير ذلك لا يمكن الذهاب بعيداً، وأن مالطا مستعدة لتلبية النداءات التي توجه لها مثل الدعم لإنشاء حكومة طوارئ والتي تعتمد على تأييد الأمم المتحدة، ولكن يجب أن يقود هذه العملية السياسية الليبيون أنفسهم للوصول إلى حل حقيقي. وختم السيد رئيس وزراء مالطا حديثه متمنياً بأن يصل الحوار الجاري حالياً في مدينة الصخيرات بالمملكة المغربية إلى حل سياسي يرضي جميع الليبيين.

الجلسة الثانية: مأساة عالمية: واقع الأمور

تحدّث في هذه الجلسة كل من السيدة بارفاتي نير مديرة معهد جامعة الأمم المتحدة حول العولمة، الثقافة والتنقل، عضو في شبكة الهجرة بجامعة الأمم المتحدة، والسيد ديفيد اسكولي، المدير المركزي لشرطة الحدود بفرنسا، والسيد بيرتن باديي، أستاذ جامعي في العلوم السياسية، باريس. أكّدت السيدة بارفاتي أن معهد الأمم المتحدة يعمل على مواضيع الهجرة وأن هناك ستة معاهد اتّحدت لدراسة المظاهر المختلفة المتعلقة بالهجرة وأن لديهم أرشيفاً مهماً جداً حول موضوع الهجرة، اضافة إلى خمسين باحثاً يهتمون بهذه المسألة.

أشار السيد ديفيد اسكولي إلى أنه قد تم الكشف عن 280 ألف شخص دخلوا بطريقة غير قانونية في منطقة الشنغن (Schengen) أي الدول الأوروبية المشتملة بتأشيرة الشنغن (Schengen). وأكّد المتحدث بأن طلبات اللجوء السياسي قد ازدادت في الآونة الأخيرة بنسبة 40%، فقد بلغ عدد طالبي اللجوء السياسي في أوروبا حوالي 550 ألف شخص. وأردف السيد اسكولي مبيناً بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) يشكل عنصراً رئيسياً يدفع هؤلاء المهاجرين إلى طلب اللجوء السياسي في منطقة الاتحاد الأوروبي، وأن هناك دولاً أوروبيةً تعاني بشكل كبير من هذه القضية وهي إيطاليا واليونان وبشكل أقل اسبانيا. وأوضح المدير المركزي لشرطة الحدود بفرنسا بأن الوضع في ليبيا حالياً يشكل قضية كبيرة بالنسبة لمسألة الهجرة، معتبراً أن ليبيا في الوقت الحاضر ليست دولة وإنما هي عبارة عن نظام قبلي وجهوي، وأنه يوجد في ليبيا حالياً حوالي 600 ألف إلى 700 ألف شخص يحاولون العبور إلى أوروبا، وكذلك الأمر في تركيا حيث يوجد حوالي مليون ونصف من البشر يحاولون دخول اليونان ومن ثم إلى باقي دول أوروبا، وهناك أيضاً منطقة البلقان وما يأتي من كوسوفو، حيث تشير التقديرات إلى أن 18% من سكان كوسوفو غادروها. وذكر السيد اسكولي بأن هناك ثلاث طرق رئيسية للهجرة إلى أوروبا وهي كالتالي:

ـ وسط البحر المتوسط،  وهو ما يتعلق بكل من يأتي من ليبيا وتونس ومصر، وأن 60% من القادمين غادروا من الشواطئ الليبية.

ـ  شرق البحر المتوسط، وهو ما يتعلق بكل من يأتي من تركيا باتجاه اليونان، ثم باتجاه الحدود اليونانية، الألبانية، ثم مقدونيا أو عن طريق صربيا، أو عن طريق البحر حتى الوصول إلى إيطاليا.

ـ طريق البلقان ،عن طريق الشمال عبر كوسوفو وصربيا والمجر، ثم إلى إيطاليا والدول الأوروبية الأخرى.

وحدّد المتحدث الجنسيات الرئيسية التي تشكّل أكبر موجات الهجرة إلى أوروبا والتي تتمثل في السوريين، والإرتيريين، والأفغان، والكوسوفيين. وأضاف السيد اسكولي بأن هناك حالياً حوالي 170 ألف مهاجر في إيطاليا إلا أنهم لن يبقوا فيها، بل سيتسللون للدول الأوروبية الأخرى.

خالف السيد بيرتن باديي المتحدث الذي سبقه مؤكداً أنه لا ينبغي التهويل من ظاهرة الهجرة لأنها ظاهرة طبيعية ولها إيجابيات كثيرة ونتائج مثمرة عادت بالخير على الدول التي جاءها المهاجرون . وأكّد السيد باديي أن الهجرة تمثل فرصة كبيرة للدول المعنية بها، واستشهد بالتقرير الذي أصدرته الإدارة الاقتصادية في منظمة الأمم المتحدة سنة 2000، حيث جاء فيه أن الاتحاد الأوروبي محتاج إلى حوالي مليون وستمائة ألف مهاجر سنوياً، وأن الولايات المتحدة محتاجة إلى حوالي مليون ومائتين ألف مهاجر سنوياً. وأوضح أستاذ العلوم السياسية بأن حركة الهجرة هي أيضاً فرصة ثقافية مشيراً إلى أن هناك ما يقارب من أربعة ملايين طالب يتنقلون في العالم من أجل الدراسة، 52% يأتون من الشرق، و11% يأتون من أفريقيا. وألحّ المتحدث على عدم تضخيم قضية الهجرة، وأن للهجرة فوائد كثيرة تعود على المجتمعات بنتائج ثقافية واقتصادية مهمة.

طُرحت بعض الأسئلة من القاعة على السيد باديي التي أجاب عليها، وكذلك أُضيفت بعض التعليقات التي رأت  أن أفضل علاج لهذه القضية هو البحث في أسبابها ومعالجتها بوقف النزاعات والحروب، والمساعدة في خلق تنمية مستدامة في المناطق الفقيرة التي هي غالباً مصدر انطلاق المهاجرين باتجاه الدول الغنية.

الجلسة الثالثة: نظرة مستقبلية بشأن الهجرة

تحدّث في هذه الجلسة كل من السيد ايوجنيو امبروسي، المدير الإقليمي للمنطقة الاقتصادية الأوروبية، بالمنظمة الدولية للهجرة بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، والسيد جون لوي بورلو، سفير فرنسي سابق. بدأ السيد امبروسي مداخلته بالتساؤل عما إذا كان العالم حقاً يواجه أزمة حقيقية تتمثل في تدفق هائل للمهاجرين، وأن أوروبا تواجه حجماً كبيراً من الهجرة غير الشرعية، ولكن الرقم الحالي للمهاجرين في الواقع لا يشكل أزمة (نسبته 3%)، وليس تدفقاً بشرياً يغزو الدول الأوربية، الأمر الذي لم يحدث بعد. وقال المتحدث هل الشمال أغنى من المناطق الأخرى، ولهذا يتعرض لغزو المهاجرين؟ وهو أمر ينبغي الوقوف عند تحليله بمصداقية. أكد السيد امبروسي أن 86% من المهاجرين تركوا مناطقهم الأصلية في البلدان النامية نتيجة إلى ظروف تتعلق بالتغيرات المناخية أو بالحروب والصراعات المستمرة. وأضاف المدير الإقليمي للمنطقة الاقتصادية الأوروبية بأن التضخيم الذي صاحب موضوع الهجرة إلى أوروبا مبالغ فيه حيث يقال أن هناك نزوح جماعي إلى فضاء الشنغن (Schengen)، ولكن الحقيقة غير ذلك، فإن عدد الذين دخلوا أوروبا بطريقة غير قانونية يقدر ب280 ألف شخص في عام 2014.

أشار السيد جون لوي بورلو إلى أن عدد سكان القارة الأوروبية حوالي 500 مليون نسمة، ويفصلها عن القارة الأفريقية التي سيصل عدد سكانها قريباً إلى مليار نسمة، البحر المتوسط. وذكر المتحدث أن في أفريقيا توجد عائلة من أصل أربعة يصل إليها الضوء والطاقة والكهرباء، وإن توفر الكهرباء يعني توفر التعليم، ويعني الوصول إلى مياه الشرب، وأكد بأن المياه غير الصالحة للشرب هي أول أسباب الموت في العالم، والكهرباء والطاقة يمثلان التطور الاقتصادي، والاكتفاء الغذائي، ومن غير الطاقة فإن الإنتاج يقل والوضع يتزعزع  ولن تكون هناك نشاطات اقتصادية. وأضاف السيد بورلو أنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار في أفريقيا ما لم يوجد الضوء في كل مكان، حيث يجب أن يكون في كل قرية، وفي كل بيت، وفي كل مدرسة، وفي كل مستشفى، لأن الطاقة والضوء هما أساس كل شيء.

الخاتمة

اختتم السيد هوبير فيدرين، وزير خارجية فرنسي سابق هذا المؤتمر منبهاً إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المدى الكامل لظاهرة الهجرة، كونها ظاهرة نزوح جماعي عالمي وليست فقط مقتصرة على منطقة البحر المتوسط أو القارة الأفريقية، وهي ظاهرة طويلة الأمد، وربما ستصبح ظاهرة دائمة، حتى وإن كان المهاجرون من وقت إلى آخر يندمجون في المجتمعات ويغيرون وضعهم الاجتماعي من مهاجرين إلى مواطنين، أو ربما يعودون إلى أوطانهم، ولكن على العالم أن يقبل أن يعيش مع نسبة 2 إلى 3% من المهاجرين.

وختم المتحدث مداخلته بالتأكيد على أن حق اللجوء السياسي يجب أن يكون صارماً ومحدداً بأوضاع معينة، لأنه إذا تم خلط الأوضاع فإن هذا الحق سيكون قد انتهى، وينبغي أيضاً ألا يتم خلط مسألة الهجرة مع الأفراد الذين يتنقلون لأسباب دراسية، أو اقتصادية، أو لأهداف سياحية، أو لأسباب صحية.

المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو

Print This Post