« المرأة تدفع الثمن » عنوان ندوة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة

2013/03/8

نظمت اليوم الجمعة (8 مارس) مندوبية ليبيا لدى اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ندوة حوارية بعنوان « المرأة تدفع الثمن » حول المرأة بشكل عام والمرأة الليبية على وجه الخصوص. ركزت على ما عانته – المرأة – في العقود السابقة عموماً وفي ليبيا أيام حكم الطاغية (ألقذافي) تحديداً والممارسات التي تعرضت لها. مع تسليط الضوء على ما ورد في كتاب (الطرائد) تأليف (كوجان) من شهادات لنساء كان لهن علاقة بالمقبور، وما كان يرتكبه من رذائل يخجل المرء من ذكرها.

أصبح – الآن – من المعلوم بالضرورة أن النظام الليبي المنهار ولأكثر من أربعة عقود وظف سلاحاً استند إليه لتثبيت دعائم سلطان مطلق على البلد والناس. سلاح لم يجرؤ اي كان في السابق الخوض فيه. واستخدمه الطاغية  اثناء الثورة كسلاح حرب، ولكن الذي كان يوظفه طيلة فترة حكمه لإشباع شهواته في السيادة والسيطرة المطلقة على البشر. انه سلاح « الجنس »؛ والذي ارتبط في أغلب الأوقات بالاغتصاب. هذا الذي رد الطاغية من خلاله العديد من النساء -ومن الرجال كذلك- الى متاع وعبيد.

ان جلل موضوع الاغتصاب؛ والذي يرتقي في مجتمع محافظ مثل المجتمع الليبي الى مستوى « الخطيئة المسكوت عنها »؛ قد لجم الضحايا عن التنديد، او البوح بما تعرضن له بل  اضطررن الى التزام الصمت الذي كان يؤسس الحليف الأكبر للطاغية.

اليوم؛ وبفضل ظهور شهادات استثنائية، لمجموعة من النساء الليبيات الرائعات؛ تم كسر هذا الصمت. وصار أمام العالم صورة واضحة عن حجم العصف والجنون والسادية؛ الذي تعرضت له قوافل من حرائر ليبيا في ذلك الجحيم الذي وضعهن الطاغية في أتونة. وكيف ان هذا الفساد قد فتك بآلة الحكم من حوله، بعد ان افلح في نسج عدد خرافي من الشبكات المتواطئة.

ولأنه لا يمكن لأي أمة ان ترسم طريقها نحو المستقبل دون ان تصفي حساباتها مع الماضي. كما لا يمكن لأي حكومة معنية برسم مسار حقيقي  باتجاه الديمقراطية، أن تقفز على بعض المناطق المظلمة من تاريخها. ورغم جلل « خطيئة » الاغتصاب في المجتمع الليبي المحافظ، إلا أن ملف الانتهاكات الخطيرة ضد المرأة، على الأقل، لابد ان يفتح، وان يعالج، وان تتم مناقشة تفاصيله  بكل شجاعة ووضوح.

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تأتي هذه الندوة لدراسة وضع المرأة الليبية أثناء تسلط القبور وللوقوف على تطورات هذا الملف؛ اثر ظهور هذه الشهادات التي ساهمت في  الكشف عن جرائم القذافي الجنسية، ورصد أصداء ذلك في العالم العربي، والنتائج التي ترتبت على ذلك.

حيث تناولت نخبة من رموز الصحافة والإعلام، ومن الشخصيات المعنية بالأمر، ومن الناشطين في مجال حقوق الانسان، من كل من ليبيا ومصر وفرنسا. للنظر في اخر تطورات هذا الملف؛ وطرح السؤال بشان ذلك الصمت العالمي المشبوه؛ بما في ذلك في الغرب، والذي استفاد منه الطاغية لفترة غير قصيرة. والتفكير في الإجراءات التي يجب اتخاذها من اجل الاعتراف بعذابات الضحايا، وتصنيف مختلف اشكال الضغوط والتهديد  والتحرش والاعتداءات الجنسية؛  كجرائم يعاقب عليها القانون. ثم وخاصة؛ ضرورة ردع كافة أشكال المساس بكرامة وكيان المرأة في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ ليبيا ووضع ضمانات لعدم تكرار ذلك مستقبلا.

حضر الندوة التي عقدت بمقر اليونسكو/ باريس مشاركون من ليبيا وكان من بينهم مثقفون وإعلاميون تدخلوا بكلمات في الندوة مثل:

· السيد إدريس المسماري/ رئيس الهيئة العامة لدعم وتشجيع الصحافة؛

· السيدة هند شقيفة/ أكاديمية ناشطة في مجال حقوق المرأة؛

وإعلاميون ومثقفون من مصر مثل: جمال الغيطاني/ رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى.

كما شارك فيها مثقفون وإعلاميون من فرنسا من بينهم:

· السيدة جليلة بولفايا/ مديرة مكتبة معهد العالم العربي؛

· السيد إيريك يونس جفرو/ رئيس قسم الدراسات العربية بجامعة ستراسبورغ؛

· السيد كريستان ماكريان/ مدير النشر لمجلة الكسبرس؛

· السيدة كارولينا فورستن/ مفكرة صحافية من الناشطات في مجال حقوق الإنسان؛

بالإضافة إلى (أ. كوجان) مؤلفة كتاب (الطرائد) وصحفيين آخرين من كبار الصحف الفرنسية.

كما حضر الندوة عدد من المثقفين العرب في باريس من بينهم مندوبي الدول العربية باليونسكو.

وأدار الندوة الدكتور أيمن الصياد/ رئيس تحرير مجلة وجهات نظر من جمهورية مصر العربية.

وألقى مندوب ليبيا لدى اليونسكو كلمة الافتتاح للندوة حدد فيها محاور الندوة وسياقها، فيما يلي نصها:

السيدات والسادة: أحييكم جميعاً على حضوركم لهذه الندوة التي تنعقد بمناسبة اليوم العالمي للمرأة وتتمحور حول معاناة المرأة وإرغامها على دفع الثمن سواء من وجدانها وهيبتها وإنسانيتها أو إجبارها على التضحية واستعمالها سلاحاً ووقوداً للصراعات والنزاعات. في هذا اليوم – وفي ظل هذه المعاناة – يقف العالم منحازاً للمرأة ومدافعاً عنها في يومها العالمي ليس – فقط – لكونها ضعيفة أو مظلومة أو مهمشة، وإنما – أيضاً – لأنها النصف المكمل للنصف الآخر من المجتمع وهو (الرجل) الذي طغى على (المرأة) بسبب عوامل فسيولوجية وثقافية وسلوكية، وحاول سلب حقوقها المشروعة وهويتها الأصيلة، وقدراتها المتميزة.

أن المرأة كأم وكأخت وكزوجة وكابنة لها دور حيوي في بناء المجتمع ورقية، فهي مدرسة لكافة أبناء الجيل دون تمييز لأنوثته أو ذكوريته.

وبفعل هذا الدور المجتمعي تبوأت المرأة مكانة مرموقة واحتلت بقدراتها وإمكانياتها مواقع متقدمة في كافة مجالات الحياة، ولنا نماذج في الحاضر كما لنا نماذج من التاريخ تشير إلى مكانة المرأة وسمو قدرها. وفي تراثنا العربي وتاريخنا الإسلامي شواهد ودلائل على ذلك. بيد أن الصورة في هذا العصر ليست مشرقة تماماً. فالعنف القائم على الجنس ضد المرأة لا يزال ينخر جسم المجتمع، ويصمه بالفساد والرذيلة والظلم. وهذا النوع من العنف هو الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان، والأعمق خدشاً لكرامته، والأسوأ ضرراً على بنيته الاجتماعية، والأشد فتكاً بإنسانية.

وتمدنا ملفات الجرائم الجنسية، وأرشيف شرطة الآداب بالوقائع المادية والأدلة الواقعية التي يشمئز منها العاقل وبندى لها جبين النبيل. وتبقى هذه المخازي المنتشرة في بقاع شتى من العالم – رغم بشاعتها – لا تقارن بما تم اقترافه في ليبيا من قبل طاغية العصر (ألقذافي). فما اقترفه هذا المخلوق في حق المرأة، وما قدمه من اهانات لها يفوق كل ما عرفته النفس البشرية الشريرة من انتهاكات لحقوق المرأة، وإهدار لكرامتها، وطعناً في شرفها، واحتقاراً لأدميتها، وما قدمته (كوجان) في كتابها (الطرائد) يمثل نموذجاً لهذه الانتهاكات التي دمرت حرائر من ليبيا وحولت عائلاتها وأقاربها إلى أكوام من حطام.

إنني أخجل، وأشعر بالغثيان وتأنيب الضمير – وأنا أقرأ هذا الكتاب – في الوقت الذي أذكر فيه أنني عشت زمن الطاغية، وعملت في الدولة الليبية أثناء ترأسه لها – لما عرفته الآن – من موبقات وجرائم كانت ترتكب من قبله أو باسمه في زمن سكت فيه الناس عن الحديث عن هذه الانتهاكات. وقد يكون السبب في ذلك؛ الخجل من ذكر تلك الممارسات أو النائي بالنفس عن الاعتراف بحدوث تلك الأعمال، فذكرها يخيف قائلها من أن يلحقه جزء من العار أما لسكوته عنها أو التظاهر بالرضاء بها أو عدم قدرته على التعبير عن الانكار والتنديد بها أو عجزه على العمل على التغيير والمواجهة. والعجب أن صاحب الفعل نفسه لم يكترث – من قريب أو بعيد – بالموبيقات التي اقترفها والخطايا التي ارتكبها كأن منظومة القيم لديه خالية من أي معنى للشرف أو احترام الأخر أو حتى الشعور بوجوده. وزيادة في السادية والشيطنة جعل الاغتصاب وانتهاك الحرمات سلاحاً في حربة ضد انتفاضة الشعب الليبي إمعاناً في القهر والإذلال. وبحثاً باستماثة على حياة – أي حياة – حتى وأن كانت على الأشلاء والجماجم.

إننا الآن بعد أن غيبت ثورة 17 فبراير في ليبيا هذا المسخ الذي تتبرأ منه البشرية، وعاد إلى المجتمع الليبي وجهة الصحيح، حرى بنا أن نراجع تلك الحقبة الحالكة السواد في تاريخ الشعب الليبي، ونتمعن في تأثيراتها على مجريات الحياة في تلك الحقبة بما في ذلك تأثيرها على زعزعة منظومة القيم في المجتمع الليبي، وندرس هذه الحالة بغية العمل على تجنب الطريق التي تقود إلى تلك الانتهاكات والمهالك.

وأقترح هنا مساراً للندوة فأوصي بأن لا تختزل هذه الندوة في سرد موبقات (ألقذافي) من خلال شهادات معاصريه، ولا أن نقصر الحديث حول كتاب (الطرائد). وإنما الموضوع أشمل من ذلك بكثير فهل يشمل وضع المرأة في الوطن العربي والعالم الإسلامي وليبيا نموذج؛ ونستعرض معاناة المرأة في العصر الحديث والمرأة في ليبيا في عهد الطاغية (حالة للدراسة)، والهدف تقديم استنتاجات للأسباب ومقترحات وتوصيات للإصلاح.

لا شك في أن التشريعات والقوانين الوطنية والدولية من الأمور الأساسية، ولكنها لا تكفي لوحدها، وإنما يجب علينا أن نقرر ذلك في منظومة القيم، ومناهج التعليم، وبرامج التدريب بهدف إرساء انماط سلوكية جديدة، واستئصال الأفكار النمطية التي كانت سائدة وأدت إلى العنف والقهر والاستبداد، وهدر للحقوق، واستهتار بقيمة الحياة.

أن صياغة المبادئ التوجيهية الشاملة، وإصدار البيانات والوثائق التي تمنع العنف ضد المرأة، وتتصدى له سواء في المدارس أو الأماكن العامة، أو مواقع العمل ضرورية في هذه المرحلة، وينبغي أن يرافق تلك النصوص أدوات التطبيق ووسائل التنفيذ الواعية بحقوق وواجبات كل عضو في المجتمع، وتنهج أسلوب التوازن بين الحرية الشخصية وثقافة المجتمع. فلا إهدار لقيمة الإنسان ولا للتضحية بالمثل والقيم في سبيل غرائز بهيمية ترضي شهوة المتسلط الطاغي.

نأمل أن نتوصل – من خلال الحوار في هذه الندوة وندوات أخرى قادمة حول الموضوع – إلى فهم الأسباب التي أدت إلى الظاهرة القذافية المهوسة بالجنس، والدوافع الكامنة التي انتجت كل ذلك الدمار والخراب، لننطلق من تلك الأسباب إلى مراجعة منظومة القيم في المجتمع بهدف اقتراح المعايير والأسس المنظمة للفرد والمجتمع، وتحديد وسائل التنفيذ وأدواته بما يجعل المجتمع خالياً من تلك الشوائب والعيوب التي خدشت حيائه، وأدت ببعض حرائره إلى الهاوية، ولنؤسس – بناء على ذلك – قواعد تحمي المجتمع من كل تلك الانتهاكات والممارسات الخاطئة والتي وصلت – أحياناً – إلى خطيئة غير قابلة للغفران.

المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو

Print This Post