الغوص في أعماق قوانين الطبيعة الأكثر غموضاً

2012/07/11

هل تمكّن العلماء من الكشف عن آخر الأسرار التي تتيح حل لغز الكون؟ أعلنت يوم الجمعة الموافق 6 يوليو 2012 المنظمة الأوروبية للبحوث النووية التي أُنشئت بمساعدة اليونسكو عن تحقيق إنجاز تاريخي هو اكتشاف جسيم دون ذري جديد قريب جداً من المادة الغامضة المعروفة باسم « بوزون هيغز » والتي هي عبارة عن جسيم يُعتقد أن مواد الكون تكتسب منه كتلتها.

واستطاعت المنظمة الأوروبية للبحوث النووية بفضل تجارب مثل مكشاف « أطلس » و »مكشاف الميونات » (CMS) أن تكتشف جسيماً جديداً يولد طاقة تتراوح بين 125 و126 جيجا إلكترون فولت، وتم تأكيد هذه المعلومة بنسبة 99,9999 في المائة. ولا يزال من المبكر جداً البت في ما إذا كان هذا الجسيم القريب من « بوزون هيغز » هو الجسيم الذي تم التنبؤ به في إطار نظرية فيزياء الجسيمات المعروفة باسم « النموذج المعياري »، أو ما إذا كان هذا الجسيم يقدّم معلومات جديدة تتخطى نطاق « النموذج المعياري »، وهو أمر سيغيّر مفهومنا للعالم المادي. وصرح جو إنكانديلا الناطق باسم الفريق المعني بتجربة CMS قائلاً: « ما اكتشفناه هو فعلاً جسيم جديد لا بد من أن يكون بوزوناً وهو أثقل البوزونات التي اكتُشفت حتى الآن. ولهذا الأمر آثار مهمة جداً وهذا هو بالتحديد السبب الذي يحتم علينا توخي أقصى درجات الدقة في جميع الدراسات وعمليات إعادة الفحص والتدقيق التي سنجريها ».

ولقد تعاون مركز عبد السلام الدولي للفيزياء النظرية المتخصص التابع لليونسكو مع المنظمة الأوروبية للبحوث النووية لتحقيق هذا الإنجاز العلمي المثير للاهتمام. وشارك المركز الدولي للفيزياء النظرية وجامعة أوديني في تجربة « أطلس » التي يتمثل هدفها في البحث عن « بوزون هيغز » عن طريق دراسة نواتج تصادم الجزئيات في « جهاز هادرون الكبير للتصادم ». وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن « بوزون هيغز » يتفتت بسرعة كبيرة جداً تحول دون الكشف عنه مباشرةً، ولكنه يتفتت إلى جسيمات شبيهة بالجسيمات التي يخلفها تفتت زوج من الكواركات العلوية وأضدادها. ويعمل الباحثون المعنيون بتجربة « أطلس » على تحديد الخصائص التفصيلية لهذا النوع من العمليات لتحليل البيانات « الأساسية » التي تظهر في أثناء البحث عن « بوزون هيغز ».

وأدلى عالم الفيزياء بوبي أشاريا التابع للمركز الدولي للفيزياء النظرية والذي يتولى قيادة مشاركة المركز الدولي في تجربة « أطلس » بكلمة صرح فيها بحماس قائلاً: « الآن وقد كشفنا عن وجود جسيم جديد، سنقوم بدراسة خصائصه بمزيد من التفصيل. ويمثل هذا الجسيم على الأرجح « بوزون هيغز ». وإذا كان الأمر كذلك فعلاً، فسيشكل هذا الاكتشاف نهاية بحوث استمرت لعقود من الزمن لحل لغز الجسيم الأخير في إطار نظرية « النموذج المعياري ». وما تم تحقيقه هو نتيجة مهمة إلى أقصى الدرجات بالنسبة إلى المركز الدولي للفيزياء النظرية بالنظر إلى الدور الجوهري الذي أداه هذا المركز في وضع النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات ».

وستتوافر صورة أوضح عما أبدي يوم الجمعة الماضي من ملاحظات في فترة لاحقة من هذه السنة عندما سيقدّم « جهاز هادرون الكبير للتصادم » المزيد من المعلومات المفيدة. ومع أن تأكيد خصائص الجسيم الجديد سيستلزم الكثير من الوقت والبيانات، فإن كل دراسة من الدراسات التي ستُجرى تستحق فعلاً العناء لأنها ستتيح لنا فهم قوانين الطبيعة الأكثر غموضاً.

إنشاء المنظمة الأوروبية للبحوث النووية، فكرة طرحتها اليونسكو…

طُرحت فكرة إنشاء المجلس الأوروبي للبحوث النووية في عام 1950، خلال الدورة الخامسة للمؤتمر العام لليونسكو التي عُقدت في فلورنسا، بإيطاليا. وأُنشئ هذا المجلس في عام 1954 وسُمي في وقت لاحق « المنظمة الأوروبية للبحوث النووية »، علماً بأنه تم الإبقاء على المختصر الإنجليزي CERN الذي استُخدم في بادئ الأمر للدلالة على اسم المجلس.

وفي حين تضع المنظمة الأوروبية للبحوث النووية خبراتها العلمية في متناول اليونسكو في إطار « المركز الدولي لاستخدام أشعة السنكروترون في مجال العلوم التجريبية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط » (سيزامي) وغير ذلك من المبادرات مثل المكتبات الافتراضية في الجامعات الأفريقية والدورات التدريبية المخصصة للمعلمين، فإن برنامج اليونسكو الدولي للعلوم الأساسية يقدّم للمنظمة الأوروبية للبحوث النووية إطاراً للتعاون مع الباحثين التابعين لبلدان لا تشارك في عضوية المنظمة الأوروبية للبحوث النووية.

مركز عبد السلام الدولي للفيزياء النظرية، معهد تابع لليونسكو متخصص في مجال الفيزياء

إن مركز عبد السلام الدولي للفيزياء النظرية هو معهد من الفئة 1 تابع لليونسكو أي أنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من المنظمة.

ويعمل المركز منذ أكثر من 45 سنة بوصفه محركاً للجهود الدولية الرامية إلى النهوض بالخبرات العلمية في البلدان النامية. ويسعى المركز الذي أُنشئ في عام 1964 بمبادرة من عالم الفيزياء الباكستاني الراحل محمد عبد السلام الذي حاز على جائزة نوبل، إلى توفير التعليم المستمر للعلماء التابعين للبلدان النامية وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجون إليها لتكون لهم سيرة مهنية طويلة ومنتجة. ويعمل المركز بموجب اتفاق ثلاثي الأطراف أُبرم بين حكومة إيطاليا واليونسكو والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

المصدر: اليونسكو

Print This Post