العلوم الاجتماعية تواجه التحدي

2012/04/5

صدر بتاريخ 28 مارس 2012 عن اللجنة الدولية الحكومية المعنية بتغيير المناخ في اليونسكو (IPCC) تقرير يحث العالم على بناء قاعدة معلومات للتصدي لمخاطر تغيير المناخ.

 

لقد تزامن صدور هذا التقرير مع انعقاد مؤتمر دولي اتخذ من ( الكوكب تحت الضغط: Planet under Pressure) عنواناً له، والتأم في العاصمة البريطانية (لندن) في الفترة: 27-29/3/2012.

 

لا جدال في أن العلوم الاجتماعية لها دور أساسي في فهم الظروف البيئية الصعبة التي يواجهها الكوكب. وتؤثر – هذه العلوم بشكل مباشر – في طريقة التعامل مع هذه الظروف في تحقيق التنمية المستدامة والعيش معاً على هذا الكوكب.

 

أن النظم التي تحكم الكوكب هي تلك التي تؤثر فيه اجتماعياً وإنسانياً. وهذه النظم لا يمكن استيعابها من خلال المؤثرات الفيزيائية والبيولوجية وحدها. هل هذا هو نهاية الحجة التي تبرر التحدي الذي يواجه العلوم الاجتماعية؟ لا؛ بل الأمر أعمق من ذلك.

 

يوجد نوعين من التحديات الرئيسية التي تواجه العلوم الاجتماعية – هذه الأيام – والمتعلقة بتغيير المناخ، وهما:-

 

أولاً: منظومات الاتصال الحديثة التي بدأت في الظهور من خلال العلوم لازالت تحتوي على جوانب غامضة ويرافقها سوء فهم، وسوء تطبيق. والأهم من ذلك نجد العديد من علماء الطبيعة لا يكترثون بدعوة علماء الاجتماع للالتحام معهم في فهم تعقيدات التداخل بين المنظومات البيئية والمنظومات الاجتماعية، والتي تتفاعل من أجل توجيه النشاط البشري لأحداث التنمية المستدامة.

 

أن أحد الجوانب المهمة التي لاحظها المؤتمر هو عدم إيلاء موضوع الاحباط الذي ينتاب الناس والمتداخل مع المعرفة العلمية العناية اللازمة، بل أحياناً يهمل كلياً من الحوار والنقاش العام. لا شك في أن التغييرات الضرورية للحياة السياسية والاجتماعية لا يمكن هندستها بكفاءة وغالبية الناس العاديين لم يستوعبوا بعد مستوى الضغط الواقع على الكوكب الذي يعيشون عليه.

 

ينحصر دور العلوم الاجتماعية مع التعامل مع الاحباط – في كثير من الأحيان – في تمكين العلماء من فهم أفضل لكيفية مواجهة مقاومة العلوم للتغييرات الجذرية الحاصلة في الكوكب، ويتوازى ذلك مع سحب العلوم الإنسانية إلى نفس الموقع من الحوار والنقاش وتفريغ هذه العلوم من أي تأثير على المعرفة في المجالات ذات العلاقة.

 

وبمعنى آخر؛ نقول أن التفكير في أن الكوكب واقع تحت ضغط لازال في مستوى: الفعل ورد الفعل، أي في إطار حل المشاكل وآلية طريقة إطفاء الحرائق، ولا تخرج عن إطار إدارة الأزمة والمعالجة الطارئة للحالة قيد المراقبة. أن فكرة التنمية المستدامة بأنها ليست مجموعة من المسائل تتطلب معالجة ناجحة، بل هي ظروف مشروطة للتعايش معها وتوظيفها للتنمية؛ هي فكرة لم يتم إدراكها بالعمق المطلوب بعد. وإذا ما ظهرت الحاجة إلى التذكير بمحور علمي معين في ذات الموضوع يأتي في النشر المرافق لمؤتمر لندن والوارد في تقرير اللجنة الدولية الحكومية لتغيير المناخ ( IPCC) والذي يدعو العالم إلى بناء قاعدة معلومات متكاملة للتصدي للمخاطر المحدقة بالكوكب نتيجة المناخ، ويطلب زيادة القدرة على التكييف من قبل هؤلاء المعرضين للظواهر المناخية الاستثنائية لذلك فإن العلوم الاجتماعية بحاجة إلى إعداد برنامج عمل علمي متكامل وليس فقط برنامج للمشاركة ورفع العتب.

 

ثانياً: على الرغم من إبراز الدور الضروري للعلوم الاجتماعية، فإنه لم يتضح بعد مدى جهوزية هذه العلوم للاستجابة للطلب عليها في القيام بهذا الدور. أن المداخل المنهجية للعلوم الاجتماعية – هذه الأيام – لم يتوفر لها بعد المظهر الذي تكتسي به لمواجهة تحديات تغيير المناخ. ويبدو ذلك جلياً في قصور هذه المنهجية عن استخدام طرق التقنيات الرياضياتية والمحاكاة العددية والتجارب التحكمية مع الاعتراف باستثناء علم الاقتصاد وعلم النفس من هذا القصور.

 

أن هذه الطرق – علم الأرجح – هي ضمن العلوم التكاملية التي ستقع تحت الطلب قريباً، لأن الباحثين سيحتاجون إلى لغة علمية وأسلوب منهجي مشترك. وذلك بضغط حاجة الدراسات المستقبلية إلى هذه الطرق والمنظومات تحديداً.

 

لأجل اقحام هذا المجال في العلوم الاجتماعية المستقبلية، هل تحتاج العلوم الاجتماعية أن تترك خلفها كل ما جعلها متميزة في السابق؟.

 

أن المشاركة الكاملة في العلوم التكاملية يعني الإجابة بشكل مقنع والرد بالنفي (لا) على السؤال السابق. مع التيقن بوضع العلوم الاجتماعية في تحد كبير واحتياج لا لبس فيه إلى الاعتراف بقدرة هذه العلوم على مواجهة هذا التحدي والاستجابة لمطالب دور هذه العلوم في المستقبل.

 

لا يوجد نقص في الأفكار لكيفية القيام بذلك. والكوكب وهو تحت الضغط يستحق منا الكثير.

 

 

المصدر: مندوبية ليبيا استناداً لما صدر عن اليونسكو

 

Print This Post