الخلافات على المياه في منطقة الشرق الأوسط: كتاب يَنشُد مخرجا من المأزق

2012/03/19

ماذا لو أن بلدان الشرق الأوسط لم يكن أمامها إلا خيار التفاهم على تقاسم الموارد المائية الشحيحة التي تمتلكها المنطقة؟ هذه هي المعاينة التي ينطلق منها جون مارتِن تروندالن في تأليفه الكتاب (الماء والسلام من اجل الناس)، الذي صدرت مؤخرا طبعته العربية عن « منشورات اليونسكو ».
الكتاب الجديد هو دليل عملي، يقترح مسالك محسوسة من أجل فضّ الأزمات المرتبطة بالماء في الشرق الأوسط. وفيما يحلل المؤلِّف الرهانات الخاصة بكل موقف، يتناول بالغربلة النزاع الذي تُخاصم إسرائيل فيه سورية على حوض الأردن الأعلى أي مرتفعات الجولان، والنزاع بين إسرائيل ولبنان على مياه نهر الوزاني، والنزاع الذي يتخاصم فيه الفلسطينيون والإسرائيليون منذ أمد بعيد. ويتناول بالتحليل أيضا التحديات التي تجابهها تركيا وسوريا والعراق بشأن تقاسم مياه الفرات ودجلة.

ففي حين لا ينفك الطلب على الماء يتزايد تحت ضغط التزايد السكاني ومتطلّبات التنمية الاقتصادية، يخشى العلميّون أن يكون الشرق الأوسط هو أول منطقة تعيش تجربة نقص الموارد المائية. والموقف مقلِق. إذ إن أنهارا كبرى مثل الفرات تشهد ازديادا في ملوحتها بنسبة النصف، وسكان المدن الكبرى في المنطقة لا يحصلون على ماء الشرب المناسب. ويفيد تقرير صدر عام 2005 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 80 % من الأُسَر العراقية التي تعيش في المناطق الريفية تستعمل مياها غير مأمونة.

عمل جون مارتن تروندالن أستاذا لمادة الجغرافية، واضطلع طيلة سنوات بمفاوضات تركزت على الخلافات المائية في منطقة الشرق الأوسط. وعمل مستشارا لدى عدد من الحكومات ولدى منظمة الأمم المتحدة، من أجل فض النزاعات المرتبطة بالبيئة وبقضايا الماء. ويضطلع جون مارتِن تروندالن، أيضا، بإدارة مؤسسة « فوندايشن كومباس » في جنيف، سويسرا.

مقابلة مع المؤلف: جون مارتن تروندالن

« البيانات الخاصة بموضوع المياه تكتسي طابع السرية في المنطقة »

• لقد أمضيت خلال السنوات الماضية معظم وقتك في منطقة الشرق الأوسط بصفتك وسيطا للأزمات المتعلقة بالمياه. ما هي حيثيات قضية المياه في المنطقة؟

— ذهلت في الحقيقة حين رأيت مدى التحدي الذي تشكله المياه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لا بل في حياة الناس اليومية. أذكر ذلك الرجل التي التقيت به في مدينة الحلة الواقعة على بعد مئة كيلومتر تقريباً جنوب بغداد (العراق)، على مقربة من ضفاف الفرات. كان ذلك في العام 1997 وكانت ملوحة الفرات حينئذ مرتفعة لدرجة أن ترشح الملح في التربة كان يتلف الحقل الذي زرعه هو وأسرته على مر الأجيال. كل ما كان يطلبه هذا المزارع هو مضخة صغيرة لاستخراج المياه العذبة، ولكن كان يستحيل إيجاد آلة مماثلة بسبب العقوبات التي أنزلت على بلده في ذلك الوقت. أذكر أيضاً قلق ذلك الخبير الإسرائيلي في الهيدرولوجيا الذي حذرني من أن بلده معرض لكارثة في حال لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لحماية بحيرة طبرية ومصادر المياه الجوفية في الجبال.

أما الأمر الهام الآخر، فهو بالطبع قلة الموارد المائية في المنطقة والتي أدت منذ العصور القديمة إلى نشوب النزاعات. حسب توقعات العلماء، فإن أول من سيشكو من نقص في المياه في العالم هي تلك المنطقة بالتحديد. زد على ذلك أن الوضع قد تفاقم جداً في السنوات الأخيرة بسبب النمو السكاني المرتفع والتنمية الاقتصادية والتلوث وارتفاع درجة الملوحة في أبرز المجاري المائية، على غرار نهر الفرات. خبراء المياه في المنطقة مدركون لكافة تلك الظواهر، لكنهم عاجزون عن فرض رأيهم أمام المسؤولين السياسيين.

كيف يمكن تفسير هذا الصمم من طرف السياسيين؟

— هو ليس صمما في واقع الحال، لكن الأمل في إحراز أي تقدم أو إيجاد حل للمشكلة المستعصية في المنطقة زال لسوء الحظ منذ بضع سنوات. الأطراف المعنية تلجأ إلى التاريخ لإيجاد الحجج وتبرير ارتيابها من الطرف الخصم. الوضع الجغرافي السياسي معقد ومشوش بشكل يصعب تفاديه. حتى يومنا الحالي، لم يتم التوصل إلى نظم حوكمة مشتركة كالتي نجدها في أوروبا أو في حوض الميكونغ أو في حوض السند. ما من صيغة مناسبة لإجراء اتفاقات علاقة مماثلة. فلكل وضع خصوصياته. لا يمكننا تطبيق الصيغ ذاتها في ما يتعلق بالنزاع حول حوض الجولان بين إسرائيل وسوريا، أو باستغلال مياه دجلة والفرات بين تركيا وسوريا والعراق.

هل يتوقع إيجاد حل للنزاعات الخاصة بموضوع المياه بعيداً عن تسوية سياسية شاملة؟

— يصعب فصل النزاعات الخاصة بموضوع المياه عن محيطها السياسي بقدر ما هي معقدة وعويصة وقديمة. ولكن ذلك لا يعني أنه يجب انتظار توقيع اتفاقية سلام شاملة في المنطقة للاهتمام بمسألة المياه. فلا مانع مثلاً من العمل على حلول يتم تنفيذها فور تحقق الشروط. فالمياه مورد حيوي ينبغي له أن يسمح بتجاوز الوقائع السياسية على المدى القصير.

لكن هذا أمر لم يحصل حتى اليوم. لقد بينت التجربة أنه حين يتم تحديد خطر ما بوضوح، كتغير المناخ على سبيل المثال، فإن السياسيين لا يحركون ساكناً بالضرورة.

— الفارق الوحيد هو أن التغيرات المناخية مازالت سيناريوهات مرتقبة. أما مشكلة نقص المياه في منطقة الشرق الأدنى، فهي مسألة ملموسة وواقعية. بعض المناطق في العراق تعاني الأمرين بسبب انعدام الماء. عام 2005، قدّر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 80٪ من الأسر العراقية المقيمة في الأرياف تستهلك مياه غير آمنة للصحة. عدم تحركنا في هذه الحالة يعني حفر قبورنا بأيدينا والقضاء على فرص بقاء الأجيال القادمة.

ما هو الهدف من وراء هذا الكتاب؟

— ليس من عادة المفاوض الانحياز لطرف على حساب آخر أو التعبير عن رأيه الشخصي. لكن الطريق المسدود الذي وصل إليه الوضع في الشرق الأوسط دفعني إلى التذكير بأن بصيص الأمل لم يغب تماماً. هذا الكتاب ليس كتاباً آخر يضاف إلى جمهرة المؤلفات التي تتصدى لموضوع الشرق الأدنى. إن الغرض منه هو إيجاد حلول للخروج من المأزق. ليس القصد اتهام هذا البلد أو ذاك، بل التأكيد على أن الحلول ممكنة، حتى ولو كان أسهل لمراقب خارجي ربما أن يقدم الحلول دون أن يتحمل عقباها.

أذكر اجتماعاً مطولاً مع وزير من المنطقة. اتهم الوزير الدولة المجاورة بتلويث النهر مؤيداً أقواله بصور فوتوغرافية. فسألته في معرض الحديث كيف له أن يتأكد من أن دولته ليست هي مصدر هذا التلوث، فتبين أنه لم يكن بحوزته بيانات واقعية حول الموضوع. بالتالي، ومن أجل تفادي أي تحيز إيديولوجي، يجب الاعتماد على وقائع محددة لتقييم الوضع ومتابعته. المشكلة اليوم هي أن البيانات الخاصة بموضوع المياه تكتسي طابع السرية. الشفافية كلمة غير واردة في القاموس محلياً. لهذا السبب إذاً يفضل الاستجداء بمعونة خبراء حياديين من خارج المنطقة بوسعهم أن يضمنوا موضوعية البيانات المجموعة.
المصدر:  اليونسكو

Print This Post