الاستعانة بالمستقبل لتحديد معالم سياسات التحويل

2013/03/6

إن مراوحة المرء مكانَه قد تصبح في مرحلة ما أكثر كلفة من المضي قدما. كيف يمكن لمجتمع المعرفة الذي ما فتئت اليونسكو تنادي به أن يُفضي إلى استحداث مناهج تفكير جديدة تساعد في حل المشاكل على الصعيد العالمي؟ سؤالٌ وجّهه مكتب التخطيط الاستراتيجي في اليونسكو صباح 27 فبراير إلى فريق متميّز من الخبراء الرفيعي المستوى الذين شاركوا في منتدى المستقبل الذي نُظّم في إطار مؤتمر القمة العالمي لمجتمع المعلومات + 10 الذي نعقد في اليونسكو بين 25 و27  فبراير الجاري.

 وقال مدير مكتب التخطيط الاستراتيجي، المدير العام المساعد لليونسكو هانس دورفيل، إنّ الهدف من ردود الخبراء هو الإسهام في عملية تحديد الأهداف الإنمائية التي سيُطلب من المجتمع الدولي اعتمادها بعد انتهاء المهلة المحددة لتحقيق الأهداف الإنمائية الحالية لألفية الأمم المتحدة في عام 2015؛ أي وضع استراتيجيات تساعد في إرساء عالم أكثر استدامةً وإنصافاً وسلاماً.

  وقال بنكاج غيماوات، وهو أستاذ في مجال الاستراتيجية العالمية في معهد الدراسات العليا في إدارة الأعمال (IESE) في برشلونة ومؤلف كتاب « العالم 3.0″، إنّ المتحدّثين اتفقوا على أنّ العولمة القائمة على تكنولوجيا المعلومات قد أفضت إلى بروز أشكال جديدة لتبادل المعلومات وتعبئة الرأي العام وتوفير الحلول. إلاّ أنّ العولمة لم تُلغِ الحدود الوطنية ولم تُحدث الثورة التي لا يزال الكثيرون يتوقّعون من الإنترنت أن يُحدِثها. وأشار إلى أنّ نسبة تدفق رؤوس المال، مقارنةً بإجمالي الناتج القومي، ونسبة هجرة السكان لا تزالان على ما كانتا عليه في عام 1910. وأضاف أنّ الناس لا يزالون يثقون بمواطني بلدانهم أكثر منه بمواطني البلدان الأخرى وأنّ حوالى 10 في المائة فقط من ’’الأصدقاء‘‘ في الفيس بوك هم أصدقاء دوليون.

 وتابع غيماوات قائلا إنّ النفاذ إلى الإنترنت متاح، لكن أنماطنا الفكرية تفرض حدودا أكبر على العولمة منه على أي مسألة أخرى. وتحويل نماذجنا المجتمعية والإنمائية يفرض بالتالي ليس فقط تغيير الأمور التي ننظر إليها بل أيضا تلك التي نشعر بها. وشدّد على أننا لسنا بحاجة إلى تحويل المعرفة فحسب بل نحن بحاجة أيضا إلى مستوى جديد من التقمّص العاطفي.

 وأعادت آنا كارلا فونسيكا، المستشارة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالاقتصاد الإبداعي (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) تأكيدَ وجهة النظر هذه قائلة إن الإبداع ضروري للتعامل مع الأزمة التي ليست أزمة إقتصادية أومالية بقدر ما هي أزمة قيم. إلا أنّ السيدة فونسيكا تساءلت عمّا إذا كانت الأنظمة التربوية تشجّع الإبداع. فسألت:’’ألسنا نواصل تكوين الملايين من الرجال الآليين‘‘. وأشار ستيفان فيرهولست، رئيس قسم البحوث في مؤسسة ماركل في المملكة البريطانية، إلى أنّ الإبداع ضروري أيضا لإعادة النظر في فهمنا للعولمة وفي تحديد الأدوار التي يتعيّن على الحكومات والشركات الاضطلاع بها. وأضاف أنّ الإبداع قد أصبح أكثر إلحاحاً إذ اتّضح أنّ على الشركات والحكومات البحث عن الخبرات خارج نطاق هيكلياتها الخاصة وأنّ إيجاد تقنيات مختلفة لرصد النجاح يشكل مكوّناً أساسياً من مكوّنات هذه العملية.

 وتطرّقت المناقشات بشكل أساسي إلى الثقافة التي هي تعبير عن الإبداع، ورأى المشاركون أنّ من الضروري وضع معايير جديدة لتسهيل التبادلات الثقافية. وأشار عدد كبير من المتحدثين إلى أنّ حقوق الملكية الفكرية قد صُمّمت بالاستناد إلى الصناعات الثقافية التي كانت سارية في الماضي وأنّ العصر الرقمي يفرض وضع مجموعة جديدة من القواعد المتصلة بحقوق التأليف والنشر، مع إمكانية الاستعاضة عن مفهوم المنتجات الثقافية التي يتعين شراؤها بمفهوم الخدمة التي يمكن الاشتراك فيها.

 وأشار متحدّثون مثل إيزومي آيزو، نائب مدير معهد هايبرنتورك سوسايتي في اليابان، إلى مستوى الإبداع الهائل الذي تتميّز به بعض البرامج المتوفرة على الإنترنت، التي برزت خلال السنوات الأخيرة الماضية، ولاسيما حلقات عمل فاب لاب التي تنذر بثورة على صعيد إنتاج السلع المصنَّعة.

 وإذ نظر في تصنيف شبكات الحلول العالمية، أشار دون تابسكوت، مؤلّف كتاب ’’ويكينوميكس‘‘، إلى المجموعة الواسعة من أدوات الإنترنت التي تتيح مشاركة المفكرين والمناضلين والمواطنين العاديين في تحديد المشكلات المجتمعية وإيجاد حلول لها، وتسمح في بعض الأحيان بتنفيذ أنشطة عملية في الميدان. إلا أنّ المجتمع المدني، الذي يمكن في إطاره إيجاد عدد كبير من الحلول للمشكلات الملحّة في أيامنا هذه، لم تلحظه الاتفاقات الدولية التي أنشئت بموجبها مؤسسات الحوكمة العالمية القائمة حاليا.

 وقال المفتش المالي الفرنسي نيكولا كولين، وهو مؤلف كتاب “L’âge de la multitude” (عصر التعدّدية) وأستاذ في معهد العلوم السياسية، إنّ الاتفاقات المذكورة لم تلحظ أيضا الموارد الإبداعية التي يتعيّن أن تستفيد منها المؤسسات الحكومية، وأشار إلى الحاجة إلى التغيير على الصعيد المؤسسي. إلاّ أنّه نبّه إلى ضرورة أن تنظر الشركات الكبرى والحكومات إلى أبعد من حدودها إذا كانت تريد أن تتكيّف وتستمر في العمل في إطار العالم المتغيّر.

 وأضاف كولين أنّ إحداث التغيير في الأمم المتحدة أمر في غاية الصعوبة ’’إذ إنّ عملية صنع القرارات في الأمم المتحدة قائمة على التوافق، الأمر الذي يعني أنّ على جميع الأطراف التوافق قبل اتخاذ قرار بشأن أي مسألة أو القيام بأي تغيير.‘‘

 لكنّ تابسكوت رأى أنّه في حين نتفق جميعا على أن العالم يشهد أوقاتا عصيبة، نقرّ بأن أوقاتا كهذه تتيح فرصا هائلة.

 وبالفعل كثُرَت خلال المنتدى الأمثلة المتصلة بالمبادرات الجارية التي تتيح طرائق أكثر استدامةً وإنصافاً لإنتاج السلع واستخدام الطاقة وتسيير المجتمعات المحلية، أي طرائق ناجمة عن نهج التفكير الجديد الذي سهّله النفاذ إلى العصر الرقمي. والمستقبل سوف يظهر لنا ما إذا كان تابسكوت، الذي أشار إلى أنّ خيطاً رفيعاً يفصل بين الرؤية والهلوسة، محقاً في قوله إن مراوحة المرء مكانَه قد تصبح في مرحلة ما أكثر كلفة من المضي قدما. وقد تُحَلّ حيذئذٍ المشكلات التي تتفاقم في أيامنا هذه.

 

المصدر: اليونسكو

Print This Post